الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

تجاوزات وتجنيب وإهدار أموال… العقارات الحكومية.. عندما (تفشل) الدولة في إدارة (بيوتها)!!


يقول المراجع العام في تقريره عن أداء الإدارة العامة للعقارات الحكومية التابعة لمجلس الوزراء لسبع سنوات خلت, إن هنالك إهدار أموال لم تتم الاستفادة منها لعدم اكتمال بعض المنشآت كبرج وزارة العمل, والذي لا يوجد قرار بشأن الموافقة على تعديل مبناه ولا يوجد عقد جديد يوضح شروط شغل المبنى وقيمة الإيجار, هذا ويضاف له تجنيب مبلغ (377057) جنيهاً بإحدى الوزارات الحكومية عبارة عن متراكم إيجار عقارات, فما الذي يجعل هذه الإدارة عاجزة عن أداء مهامها وهي المتصرفة في ما تملكه الدولة من عقارات بغرض استعمالها كمقار للوزارات والوحدات الحكومية المختلفة أو تخصيص جزء منها كسكن للعاملين عليها من قيادات تنفيذية؟ فحسب ما لدينا من مستندات أن هنالك عدداً من المنازل التابعة لها آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن وأن هنالك مقار خالية وأخرى تم تغيير غرضها في مقابل جهات حكومية تنفق مبالغ مالية ضخمة لإيجار مواقع، والنموذج ماثلاً في استئجار الوزارة أعلاه مكاتب ببرج الاتصالات بجانب عمارتين (الفردوس – طلب) أنفقت فيها ملايين الجنيهات والنماذج تتعدد بتعدد الوزارات والمرافق الحكومية.
معلومات مهمة
قبل الخوض في تفاصيل هذا التحقيق لابد أن نعرف ماهية الإدارة العامة للعقارات الحكومية فهي حسب ما تحصلنا عليه من معلومات الجهة المختصة والمتصرفة في العقار الحكومي والذي يشمل المكاتب الحكومية والمباني السكنية والبوفيهات الملحقة بالعقارات الحكومية والمباني التي تؤول في الدعاوى القانونية والتي تمتلك الدولة حق التصرف فيها وتحقق منها دخلاً ويمثل موارد مالية لها، وقد بدأ تأسيسها عقب الاستقلال وأوكلت مهامها لوزارة الداخلية وتم إصدار لائحة تأسيسية عام 1974 واستمر العمل بها حتى صدور قرار مجلس الوزراء رقم (1115) لسنة 1993 بأيلولتها للبنك العقاري, تم بعدها كونت لجنة سميت بلجنة ترشيد استخدام العقارات الحكومية وتُبعت لمجلس الوزراء بناءً على مرسوم جمهوري رقم (12) لسنة 2001، وقرار رئيس الجمهورية رقم (106) لسنة 1998 وفي 21 أبريل 2002 أصدر وزير وزارة مجلس الوزراء القرار (167) و(14) لسنة 2002 أجيز بموجب الأول هيكل وظيفي لإدارة العقارات مازالت تعمل به حتى اليوم، أما القرار الثاني فوضعت بموجبه ضوابط لترشيد وتخصيص وإخلاء العقارات الحكومية.
ويعتبر من أهم المهام الموكلة لهذه الإدارة: العمل على توفير العقارات المناسبة للوزارات والمصالح الحكومية الاتحادية وعلى الخصوص المرافق الحيوية التي ترتبط بمصالح المواطن أو أي جهات أخرى وذلك على أساس الإيجار التعاقدي وتوفير السكن لشاغلي المناصب الدستورية والوزراء والعاملين من الدرجة الثالثة فما فوق وفق ضوابط منصوص عليها.
مسح ميداني:
أجرت فرق المراجعة القومية مسحاً ميدانياً عام 2013 للعقارات الحكومية للوقوف على وضعها فتبين لها الآتي: تمت إزالة عدد من العقارات بالمنطقة السكنية بحي المطار وأخرى بالمقرن لأغراض تجديد المباني ولم تتم إعادة بنائها مما ادى إلى إهدار موارد مالية متمثلة في تكلفة الإزالة التي تمت كما أن أغلب منازل مربع (5) خصصت لضباط القوات المسلحة ولا يتم سداد أي إيجارات وهنالك عقار مخصص لمسؤول توفي مند فترة ومازالت أسرته تقيم بالعقار، كما أن عدداً من المباني السكنية تم تحويلها لمكاتب حكومية مما أضعف تقديم خدمة السكن للمسؤولين، وهنالك بمنطقة المقرن عدد من المنازل آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن وعدد من المنازل شاغرة، وبمنطقة بحري تم تغيير الغرض من استخدام العقار رقم (3) مربع 1/ د غرب بحري، وفي ذلك إخلال لشروط عقد استخدامه وعليه متأخرات إيجارات والقيمة الحالية للإيجار لا تتناسب مع الغرض الحالي.
أما منطقة الخرطوم شرق فأغلبها مكاتب حكومية لا تقوم بسداد الإيجارات. وفي منطقة أم درمان فإن العقار رقم (1204) مربع (4/2) مستغل مدرسة خاصة ولا يسدد إيجارات ولا يوجد ما يفيد سداد إيجارات العقارات التي خصصت لمنظمات دولية، فحسب تقرير المراجعة الإدارية ما بين عامي 2007-2013 بلغ التحصيل الفعلي من إيجار المكاتب الحكومية (1.8) مليون جنيه من أصل (5.1) مليون جنيه كربط مقدر، أما المباني السكنية فبلغ تحصيلها (1.3) مليون جنيه من أصل (3.7) مليون جنيه ووصل تحصيل إيجار البوفيهات (553) ألف جنيه من أصل (911) ألف جنيه.
ومن هنا فإن جملة الإيرادات بلغت (3.6) مليون جنيه من أصل (9.7) مليون جنيه أي أن نسبة التحصيل بلغت 37% وهي ضعيفة جداً مقارنة بما تنفقه وزارة المالية في تكاليف ومصروفات الصيانة والتي تلتزم الدولة بسدادها بتكلفة عالية لا تتناسب والعائد من العقارات، فقد تم صرف (4.4) مليون جنيه في مقابل (3.6) مليون جنيه تمثلت في التحصيل الفعلي (العمل المنجز) أي أن نسبة الإنفاق تفوق المتحصل الفعلي من الإيجار بما يعادل 22% مما يعكس عدم تناسب النظام مع تحقيق أهدافه، كما أن هنالك أصولاً غير مالية متمثلة في تركيب مكيفات بعدد من العقارات لم يتم إعداد سجل خاص لحصرها، وتفيد المستندات أن الإدارة لا تقوم بتحديث بياناتها بالتالي فإن هذه البيانات لا تعكس الواقع الحقيقي للعقار من حيث شغله أو خلوه الأمر الذي يترتب على حجم الإيرادات زيادة أو نقصاناً، فمثلاً هنالك ملفات عقارات مازالت مرصودة بالسجل مثل ملف الرواسي التي تم بيعها وعقارات آلت لرئاسة الجمهورية بموجب القرار (140) لسنة 2008 وعقارات آلت للإدارة العامة للعقارات الحكومية بموجب القرار (84) لسنة 2012 لم يتم فتح ملفات لها (وزارة الرعاية الإجتماعية, وزارة النفط, معتمدية اللاجئين)، كما لا يوجد سجل لحصر متأخرات الإيجارات أو آلية لحصر موظفي الدولة المستفيدين من السكن الحكومي لخصم قيمة الإيجار من بيانات المنبع, هذا بجانب عدم المتابعة الدورية من قبل الإدارة بسداد الإيجارات مما ساهم في عدم التزام الوحدات المؤجرة وشاغلي العقارات بالسداد بصورة منتظمة كما لا يوجد قسم للتحصيل والمتابعة يتحرك وفق قانون يلزم المستفيدين بشروط جزائية في حال تأخر السداد.
عدم الدقة في تقدير الإيرادات وضعف نسبة التحصيل حسب رأي الإدارة يرجع إلى عدم التزام الوحدات المؤجرة وشاغلي العقارات الحكومية بسداد الإيجار للعقارات والذي تم تحديده ببدل السكن حسب القرار الوزاري رقم (14) لسنة 2002 والذي تتراوح مبالغه ما بين (52, 66, 77) جنيهاً، فقط كما أن العقارات التي آلت بصفة دائمة لجهات محددة حسب قرارات مجلس الوزراء تعفى من الإيجارات وبالتالي تتأثر بها نسبة التحصيل.
وحسب إفادة الإدارة للمراجعة أنها خاطبت وزارة المالية عدة مرات لتوفير متحصلين لكن لم تتم الاستجابة بالرغم من ذلك تقوم الإدارة بالتحصيل بواسطة الموظفين الموجود واتفقت المراجعة الإدارية مع رأي الإدارة في النقطة الأخيرة بقولها: مما يعكس ضعف الكفاءة الإدارية أن عدد الموظفين بالهيكل المجاز لا يتلاءم مع حجم العمل حيث يوجد(5) وظائف المشغول منها (2) فقط، وجل الوظائف إدارية وغير متخصصة وأخرى عمالية بجانب الآليات والترتيبات المادية المطلوبة.
ضعف الكفاءة:
ويتجلى ضعف الكفاءة الإدارية في هذه النقطة التي أشار إليها المراجعون وهي أن هنالك عقارات بها أبراج ولا يوجد قرار بشأن الموافقة على تعديل مبانيها ولا يوجد عقد جديد يحفظ الحق العام ومثال لذلك العقار مربع (أ/8) ممثلاً في أكاديمية السودان للعلوم الإدارية (مشيد لكن غير مشطب ويتم دفع الإيجار بالفئة القديمة)، وآخر مربع (أ/9) ممثلاً في الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس (مكتمل ومستغل ولا يتم دفع إيجار)، والأخير بمربع (أ/6) ممثلاً في برج وزارة العمل (غير مكتمل) وتم استئجار مقار للوزارة.
النقطة الأخيرة والخاصة باستئجار مقار لوزارة العمل تشير إلى ضعف الخطط الهندسية في هذه الإدارة للاستفادة من أراضي العقارات المتوفرة حالياً بتطوير خدماتها حتى تفي بحاجة الدولة في تلك المواقع مما أدى إلى تحملها نفقات إيجارات باهظة في مواقع متفرقة مثل وزارة العمل ومجلس تنظيم الأحزاب السياسية وصندوق تنمية الشرق ومفوضية الاختيار للخدمة المدنية.
ويمكننا في هذا التحقيق أن نشير إلى نموذج وزارة العمل بما لدينا من مستندات والتي تقول بأن هذه الوزارة استأجرت عمارة الصندوق القومي لدعم الطلاب (عمارة إبراهيم طلب) ببحري والتي اتخذت كمجمع للإدارات لكن حدثت مشاكل بيئية بـ (بدروم) العمارة والذي كان يستخدم كنافذة لمعاملات الاستخدام بجانب التعطل المتكرر للصرف الصحي وتسربه لداخل المكاتب والتعطل المتكرر للمصعد مما دعا لتكوين لجنة لدراسة الوضع وإيجار موقع بديل. وكان تقرير اللجنة يفيد بأن العمارات التي يمكن الإيجار فيها إيجارها غالٍ وبالدولار، وهي في أغلبها شقق سكنية لا تصلح كمكاتب. ومن النماذج التي ذكرتها اللجنة برج الضمان الاجتماعي والذي طلب فيه إيجاراً بما يوازي (1.250) ألف جنيه وكذلك الطابق التاسع ببرج الواحة والمساحة الأرضية إيجارها بالدولار يوازي (380) آلاف وهي مساحات فقط غير موزعة لمكاتب والتوزيع على المستأجر وهو يكلف أضعاف الإيجار ثلاث مرات ووفق ما تحصلت عليه اللجنة كانت هنالك ثلاثة خيارات هي: مساحة (2.800) متر ببرج الواحة بالخرطوم تحتاج لتوزيع وتشطيب منها 2 ألف متر بالطابق التاسع وبإيجار (17) دولار للمتر في الشهر بمبلغ كلي (34) ألف دولار أي ما يوازي (204) ألف جنيه في الشهر بالإضافة إلى مساحة (800) متر مربع أرضية أيضاً غير موزعة كمكاتب بإيجار شهري (37) دولاراً للمتر المربع في الشهر بمبلغ كلي (29.600) دولار ويوازي (177.600) ألف جنيه في الشهر ليصبح جملة الإيجار (381.600) ألف جنيه في الشهر. أما الخيار الثاني فتمثل في برج الفردوس غرب شيكان للتأمين مكون من أرضي بجانب ثمانية طوابق بما يعادل (80) مكتباً ومخزناً وغرف تأمين بإيجار شهري (120.000) جنيه لا غير وكان الخيار الثالث عمارة بشارع عبيد ختم جوار طلمبة النحلة بها سبعة طوابق بكل طابق ثلاث شقق وبكل شقة ثلاث غرف وهول وبلغ المطلوب من الإيجار (25) ألف دولار أي ما يوازي (150) ألف جنيه في الشهر، وكان الخيار الرابع والأخير عمارة بشارع عبيد ختم تحوي سبع طوابق بإيجار شهري (23.000) ألف دولار بما يوازي (138) ألف جنيه، فكان الخيار ان تم استئجار عمارة في الأول من نوفمبر 2012 بمبلغ وقدره (120) ألف جنيه في الشهر ودفعت أجرة شهرين حسب الاتفاق وتتم زيادة سنوية محددة مسبقاً وكانت هنالك مشاورات تجري بين الشؤون المالية والإدارية بالوزارة والوزراء لفك إيجار برج الاتصالات والذي يكلف الدولة في الشهر ما يعادل (6) ملايين جنيه وانتقال الوزير ووزراء الدولة لعمارة أخرى تتبع لصاحب هذه العمارة، لكن يبدو أن الوزيرة السابقة لم تشأ الانتقال لأسباب غير معلومة لدينا حتى الآن.
من المحرر:
الصيحة اتصلت بالإدارة العامة للعقارات الحكومية لإفادتها حول الأسباب التي أقعدتها عن العمل وجعلت هنالك عقارات ليس بمقدور وزارات ومؤسسات حكومية الاستفادة منها وتكلف الدولة أعباء مالية ضخمة في شكل إيجارات وغيرها من الأسئلة، لكن أفادنا المسؤول هناك أن بإمكاننا الحصول على هذه الإجابات من خلال مخاطبة مدير مكتب وزير مجلس الوزراء، وفعلنا ذلك وبعد مضي ثلاثة أيام اتصلنا بمكتب وزير مجلس الوزراء وتمت إفادتنا أن الرد في طريقه إلى إدارة العقارات، اتصلنا بمسؤول الإدارة والذي أكد أن الرد لم يصله لكنه أشار إلى أن الخطاب في شؤون الرئاسة واتصلنا مجدداً بمكتب شؤون الرئاسة والذي أفادنا بأننا سنستلم رداً على الخطاب، وكان ذلك نهاية الأسبوع الماضي، ولكن حتى تاريخ نشر هذا التحقيق لم نتلق ما يفيد بقبول أو رفض من مجلس الوزراء توجيه إدارة العقارات بالرد على أسئلتنا.
الصيحة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق