تصاعدت وتيرة الأحداث بشكل كبير في الآونة الأخيرة في ما يخص مشروع سد النهضة الاثيوبي، أو ما يعرف بسد الألفية العظيم، والمنتظر أن يكون أكبر سد كهرومائي في إفريقيا عند اكتماله في العام 2017. ويبدو أن المواقف أصبحت أكثر وضوحاً بين الدول الثلاث المعنية بالسد، إثيوبيا صاحبة المشروع، والتي تقع فيها بحيرة تانا منبع النيل الأزرق، إلى جانب كل من السودان ومصر، حيث من المفترض أن تكون الدولتان متضررتين من السد، لتأثيره على حقوقهما التاريخية في مياه النيل.
لاحظ المراقبون، أخيراً، تغير لهجة المسؤولين السودانيين، حيث أصبح الموقف الرسمي أقرب إلى مساندة قيام السد، بعد أن كان السودان يلعب دور الوسيط المحايد بين إثيوبيا ومصر. وليس أدل على ذلك من تصريحات الرئيس عمر البشير التي للتلفزيون الإثيوبي في مدينة بحر دار، وقال فيها إن في سد النهضة فوائد جمة لإثيوبيا وللسودان، ولا يشكل أي خطر على مصر. ولوحظ أنه، في ساعات قلائل، تناقلت وسائل الإعلام المصرية تصريحات البشير، وهاجم إعلاميون الموقف السوداني، معتبرينه مسانداً لإثيوبيا ومتآمراً على مصر.
تصاعدت، في التوقيت نفسه، المواقف بين السودان ومصر، بشأن منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين، حيث يعتبر السودان حلايب أرضاً سودانية خالصة، كانت تحت سيادته الوطنية منذ الاستقلال وحتى العام 1995 الذي شهد دخول القوات المصرية واستيلائها على المنطقة في أعقاب محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس الأسبق حسني مبارك، والتي اتهم بها النظام السوداني آنذاك. ويرى الجانب المصري منطقة حلايب وشلاتين (كما يسميها) أرضاً مصرية أيضاً، ويرفض دعوة السودان لحل القضية عن طريق الحوار، كما حدث بخصوص جزيرتي تيران وصنافير التي أعادتها الحكومة المصرية إلى السعودية، وكذلك رفض الجانب المصري اقتراح السودان اللجوء إلى التحكيم الدولي، من أجل الوصول إلى تفاهمات وحل للقضية الشائكة.
لمصر مكانة تاريخية عظيمة لا ينكرها إلا مكابر، ولها في نفوس السودانيين موضع خاص، حيث ظلت ملاذاً ومقصداً لطالبي العلاج والاستجمام وقضاء فترة شهر العسل لأسر سودانية عديدة، تعزز ذلك وشائج القربى وصلات النسب والمصاهرة بين شعبي وادي النيل، إلا أن المواقف السياسية الأخيرة وبعض الترسبات القديمة نالت من تلك العلاقة الخاصة بقدر كبير للأسف. فالسودانيون لا يخفون غضبهم من الإعلام المصري، ممثلاً في برامج التوك شو التي اشتهرت بها الفضائيات المصرية، دأب بعضها على السخرية من السودان، والسودانيين حكومة وشعباً، بل إن بعضهم اعتبر السودان جزءاً من مصر، وينبغي أن يعود إليها ولا يعترف به دولة مستقلة ولا بحكومته. وظلت السينما المصرية تعمل على ترسيخ صورة نمطية شائهة للإنسان السوداني في أفلامها، وتصوره ساذجاً وعبيطاً لا يفقه شيئا! وللأسف، استقر ذلك الإحساس في نفوس بعض الإخوة المصريين إلى درجة أن أحدهم استغرب، أشد الاستغراب، عندما عرف مني أن في السودان حوالي 26 جامعة حكومية، وأكثر من 30 جامعة وكلية خاصة، كان الأخ يعتقد أن العاصمة الخرطوم غابة كبيرة لا تزال الأسود والنمور تتجول فيها بحرية.
كل هذه الأشياء جعلت السوداني يزهد في حب مصر، وشكّل الرأي العام ضغطاً على حكومة الخرطوم، لكي تدعم بقوة سد النهضة الإثيوبي، ليكون ورقة ضد الجانب المصري، في مقابل موضوع حلايب، وساعدت على ذلك آراء المراقبين والمختصين في الري والزراعة التي بينت الفوائد الكبرى التي ستعود على السودان من سد النهضة، ومن أبرزها التخلص من تهديد فيضان النيل، برافديه الأزرق والأبيض، إلى جانب الكهرباء المتوقعة من السد، والتي سيحصل عليها السودان بأسعار تفضيلية من إثيوبيا.
محمد مصطفى جامع
صحيفة نخبة السودان الإلكترونية