الجمعة، 24 يوليو 2015

إلى متى الصمت تجاه الفظائع في جنوب السودان؟



وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»  الاربعاء تقريرا بشأن الانتهاكات الخطيرة لجيش جنوب السودان بحق المدنيين بين نيسان/ابريل وحزيران/يونيو 2015.
وتحت عنوان «أحرقوا كل شيء»، قدم التقرير 174 شهادة لضحايا في ولاية الوحدة (شمال) وتشير إلى «هجمات متعمدة ضد المدنيين» ينطبق عليها تصنيف جرائم الحرب.
وافادت ان القوات الجنوب سودانية التي ينتمي معظم عناصرها إلى الدينكا، دهست مدنيين بدباباتها وارتكبت عمليات اغتصاب جماعية واقدمت على احراق قرويين احياء استهدفتهم على اساس قبلي اذ ان معظم الضحايا هم من قبيلة النوير.
واشارت المنظمة إلى ان هذه التعديات ارتكبتها القوات الحكومية بمساعدة ميليشيا متحالفة معها من قبيلة بول نوير المتفرعة عن قبيلة النوير.
ونقلت عن شاهدة قولها «كانوا يلاحقون الناس بدباباتهم ويقومون بدهسهم ثم يسيرون إلى الوراء للقضاء عليهم والتأكد من موتهم».
وتحدثت المنظمة ايضا عن عمليات قتل «مدنيين، من رجال ونساء وايضا اطفال ومسنين، البعض شنقا والآخرون رميا بالرصاص او بحرقهم احياء».
واشارت إلى 63 حالة اغتصاب لكنها اعتبرت انها ليست سوى «جزء» من العدد الاجمالي. واوضح التقرير ان «الحالات تشتمل على عمليات اغتصاب جماعي وحشية واخرى جرت علنا امام آخرين او تم فيها تهديد الضحايا بالقتل قبل الاغتصاب».
وافادت سيدة ان الاغتصاب اصبح «امرا عاديا»، وروت ضحية «وجه رجل مسدسا إلى رأسي وقال انظري كيف سنغتصب ابنتك».
كذلك اتهمت القوات المتمردة بارتكاب فظائع من بينها عمليات اغتصاب وقتل وتجنيد اطفال، على غرار القوات الحكومية.
وتزامن نشر التقرير مع انباء افادت بفصل قائد المتمردين رياك مشار نائب الرئيس الجنوب سوداني السابق امير الحرب النافذ بيتر قديت الذي فرضت الامم المتحدة عليه عقوبات. وافاد دبلوماسي يشرف على محادثات السلام في اديس ابابا باثيوبيا حيث تم التوقيع على سبعة اتفاقات لوقف اطلاق النار ولدت ميتة، ان هذا القرار من شأنه ان يعقد تطبيق اتفاق دائم للسلام. 
وبكلمات اكثر وضوحا فان هذه الفظائع التي تعجز اي كلمات عن وصفها ضمن ما يمكن اعتباره محرقة مكتملة الاركان، مرشحة للتزايد على مرأى من العالم الذي لا يجد اسبابا كافية للتدخل فيما يبدو. 
ان هذا التجاهل الدولي المشين لجنوب السودان ليقدم دليلا جديدا على نفاق مايسمى بـ «العالم الحر»، والذي لا يكاد يرى اي انتهاكات حقوقية الا حيثما توجد مصالحه الاقتصادية او الاستراتيجية. 
وبينما يستعد الرئيس الامريكي باراك اوباما لزيارة افريقيا، حيث سيلتقي جدته في كينيا غير البعيدة عن جنوب السودان، ليس من المتوقع ان تحظى هذه المأساة بنصيب من اهتمامه.
وكأن الضحايا الذين بلغوا نحو المليون بين قتلى وجرحى ونازحين في جنوب السودان ليسوا بشرا، او هم كذلك ولكن من الدرجة الثانية، حيث ان وقوع عدد اقل كثيرا من الضحايا في بلاد اخرى كفيل بأن يقيم الدنيا ولا يقعدها. 
انه الغرب نفسه الذي تبنى تمرد الحركة الشعبية وشجعها على الانفصال لسنوات، ثم قدم لها الدعم العسكري والاقتصادي لاقامة دولة منفصلة في جنوب السودان، يبدو اليوم غير مكترث بما تشهده من مجازر وازمات تكاد تطيح بوجودها نفسه.
وكأن الهدف الاساسي ان يتشظى السودان إلى دويلات وكانتونات، ثم تركها تتحارب لينقسم المقسم فعلا، فيما يعاني الشمال حالة من الاحتقان الشعبي والانسداد السياسي تحت حكم شمولي شاخ على كرسيه، واغتصب حديثا «فترة رئاسية جديدة» يشكك كثيرون في انه سيكملها.
ولا تقتصر مشاكل الجنوب السوداني على الصراعات المسلحة، بل انها تتوازى مع تفاقم حالة من المجاعة تهدد اغلب السكان. 
وعلى الرغم من ان جنوب السودان ورث اغلب الثروة النفطية من السودان، إلى جانب الثروات الطبيعية الاخرى، فان الصراع على السلطة بين سيلفا كير ونائبه السابق ريك مشار، ثم الصراع بين جوبا والخرطوم قد جعل الدويلة التي انفصلت قبل اربعة اعوام تتحول إلى قطعة من الجحيم. 
ومن غير شك فان الحكم الديكتاتوري في الخرطوم يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه المأساة، بعد ان نكث بوعده بتطبيق حكم فيدرالي في السودان، ثم سعى إلى فرض حكم اسلامي على سكان الجنوب، ما جعل الانفصال يحظى بتأييد شعبي. 
الا ان هذا لا يعفي المجتمع الانساني من مسؤوليته الاخلاقية للتحرك بكافة الوسائل الممكنة لوقف هذه الفظائع، ومحاكمة مرتكبيها، وتقديم المساعدات الانسانية فورا لكافة المتضررين.
القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق