السبت، 25 يوليو 2015

عندما يتم (الاستيلاء على الدولة) تغيب حرمة المال العام!




قرار إداري عادي ذو طبيعة إجرائية بحتة يقضي باستبدال إيصال استلام المدفوعات الحكومية الورقي بإيصال إليكتروني أثار ضجة في السودان إنه قرار إجرائي روتيني لا يهم الناس العاديين في كثير شيء فهم يشكون من كثرة وتعدد الجبايات ولا يشكون من نوع إيصالات السداد التي يحصلون عليها عند الدفع – فلماذا أثار القرار كل تلك الضجة ولماذا قاومته بشراسة بعض المواقع الحكومية؟

ببساطة لأن الإيصال الإليكتروني يفرض رقابة مالية تؤثر على شرائح نافذة وتطعن في الصميم مفهوم (الاستيلاء على الدولة) السائد عبر تجيير كل مقومات الدولة لصالح فئة محددة تتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، تعمل دون شفافية وتتحرك مطمئنة تماماً وذلك لاختفاء عنصر المساءلة والمحاسبة فهي فوق القانون وذنبها مغفور مهما تجاوزت القوانين واللوائح وهي لا تنشط في مجال الرسوم والجبايات وحدها لكنها تتحرك على عدة مستويات وفي عدة محاور والدولة بما فيها ومن فيها ملك يديها.
العيب ليس في الإيصال الورقي فعلى مدى عشرات السنين ظل ذلك الإيصال يضبط التحصيل المالي الحكومي دون أن يشكو منه أحد ودون أن يتحكم أو يسعى أحد لتزويره أو إلى (تجنيب) حصيلة وارداته لأن مبدأ النزاهة كان سائداً والقوانين واللوائح كانت محل احترام، ولم يكن هناك أحد يمتلك حصانة تمنع القوانين من أن تطاله – ويوم أن ينفرط هذا العقد وتجير مقدرات الدولة لصالح فئات بعينها يسود مبدأ الاستيلاء على الدولة وينمحي الخط الفاصل بين المال العام والمال الخاص.

ولا غرابة أن يثير مشروع وزير المالية لاستعادة حرمة المال العام وفق هذا القرار الإجرائي الذي يدخل طريقة للتحصيل تتميز بالشفافية والانضباط –أن يثير ذلك القرار ثائرة المستفيدين من الوضع السابق لدرجة يعترف بها الوزير نفسه عندما شكا من وجود (معوقين) يسعون لإجهاض المشروع مؤكداً أنه مصر عليه وأنه لا تراجع عن تنفيذه.

شراسة المقاومة للمشروع ليس هدفها الوحيد إجهاضه فالمقاومون يعرفون أنهم قد يخسرون هذه المعركة ولكن شراسة المقاومة هدفها إرسال رسالة واضحة للوزير ولغير الوزير مؤداها أنه: عند هذا الحد وكفى!! ذلك لأن تجنيب إيرادات الدولة والصرف خارج الميزانية بل والحصول على منافع ذاتية عبر هذا الاسلوب لا يعدو أن يكون الجزء البارز من جبل الجليد وأن أبواب الممارسات الأخرى التي توطد دعائم مشروع الاستيلاء على الدولة ما زالت موجودة وفاعلة على أكثر من صعيد بدءاً من المضاربة في الأراضي مروراً بطريقة التعاطي مع مشتريات الدولة وانتهاء بالنهب الصريح، وفي الحالات النادرة التي تتم فيها محاسبة تظل القضايا مجمدة أو متحركة ببطء ريثما يتم الإعداد لسيناريو (التحلل من المال الحرام) في بدعة غير مسبوقة – الرسالة التي يرسلها المعوقون لمشروع الإيصال الإليكتروني تهدف لمنع استمرار هذا (الاستهداف) لحقوق باتت (مكتسبة) وراسخة لقوى بعينها وأنها ستسعى جاهدة لإجهاض أي مشروع يستهدف القضاء على تلك المكتسبات) فهل وزير المالية على استعداد لأن يخوض المعركة حتى نهايتها؟

لا نشك في أن وزير المالية سينجح في فرض الطريقة الجديدة لتحصيل أموال الدولة عبر هذا المشروع الذي ابتدره وهو يتوقع أن يزيد ذلك حصيلة إيرادات الخزينة العامة ومسؤولو الوزارة يقدرون الزيادة المتوقعة بنسبة تتراوح بين خمسة عشر وعشرين في المائة من التحصيل الراهن –وبالمقابل ستكتشف الوزارة آلاف (الجبايات) غير القانونية المفروضة حالياً على المواطن خاصة وقد كشف الحصر المبدئي للوزارة عن وجود آلاف الرسوم التي لم تسمع بها وزارة المالية من قبل وكلما تتعمق في البحث سينفتح الملف بكامله وبكل أبعاده المركزية والولائية وهي قضية أكبر من قدرة أي وزارة منفردة لأن تلك الممارسات تحولت إلى نمط إداري راسخ يحتاج إلى معالجة جذرية كاملة وإلى إصلاح مؤسسي ينفذ إلى أعماق المشاكل وهو مطلب فوق طاقة أي مرفق حكومي واحد لأنه ينفذ إلى الأعماق ويتطلب عملية جراحية رفيعة المستوى.

مخرج الوزير أن يقنع المواطن بالنجاح الذي سيحققه في فرض الإيصال الإليكتروني وكفى!



محجوب محمد صالح

العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق