الأحد، 19 يوليو 2015

هل يرعى عمر البشير ذئاب الشعبي مع نعاج الوطني؟



مصعب المشرّف

التصدع الذي أصاب الأعمدة والبنية التحتية لحزب المؤتمر الوطني بعد "تهميش" علي عثمان طه ونافع ، وتحويلهم إلى مجرد حراس للسرداب ؛ يبدو أنه يظل عصيا على الترميم حتى بعد أن حالف الحظ عمر البشير، وأسعفته عاصفة الحزم بالعودة إلى الدوران (على إستحياء) في فلك السعودية صاحبة الثراء والنفوذ الإقليمي والعالمي الإستثنائي.

ولكن ؛ وفي كل الأحوال فإن أي نظام سياسي لايمكنه التعويل على الدعم الخارجي وحده ليضمن لنقسه البقاء . لقد أثبتت التجربة بجلاء أن ديناميكية حراك وصلابة الداخل هي الضمانة الإستراتيجية للإستمرار ... وهي وحدها التي تنفع وتبقى في الأرض . وأما الدعم الخارجي فهو كالزبد يذهب في نهاية المطاف جفاء. 

وبالطبع فلايستطيع أحد الإدعاء بأن علي عثمان طه ونافع – أحدهما أو كلاهما – يمتلكان تلك الكاريزما التي يتميز بها أستاذهم حسن الترابي أو حتى ربعها ؛ ولكنهما كانا على أية حال ألمع النيازك في غبار نجمه الآفـل ... وكانا أيضاً عقلان مدبران يجيدان التفصيل والحياكة السياسية .... وكان بالجملة خير من تبقى من تلاميذه في جُعبة البشير بعد عشاء القصر الأخير عشية الألفية الثانية.

ولأجل ذلك فقد كان من الطبيعي أن يجتاح "الفراغ" حزب المؤتمر الوطني اليوم .. وتتحول تراتيل الجوقة وألحان فرقته الموسيقية إلى محض نشــاز.

ووسط كل هذا الركام والسخام الذي يتميز بكثرة المتسلقين والبهلوانات والمتسولين ؛ يبدو أن الرئيس عمر البشير لايمتلك اليوم من خيار سوى أن يكون أسداً أعرجاً على رأس قطيع من النعاج ؛ بعد أن كان أسداً متعافي وسط مجموعة من الأسود واللبوءات والذئاب.

بعد الأداء السيء الذي لازم حزب المؤتمر الوطني في جانب الحشد والتأييد ؛ والخطاب الإعلامي المثير للشفقة خلال عدة مواقف مفصلية أهمها :

1) المقاطعة الشعبية للإنتخابات الرئاسية والعامة التي جرت مؤخراً. وهشاشة وسطحية التغطية الإعلامية المبررة لتدني أعداد الناخبين في الإنتخابات الأخيرة

2) فشل الحشد الشعبي لإستقبال الرئيس البشير عقب عودته من جنوب أفريقيا ... أو الخروج في مسيرات هادرة لتأييده ونصرته لاحقاً.

3) فشل وزارة الخارجية ومستشارو القصر في توقع خطورة سفر الرئيس البشير إلى جنوب أفريقيا في وجود مذكرة إعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقه . والتي دفعت بالبعض إلى إستدعاء نظرية المؤامرة ...... ثم تلك "الهرجلة" الإعلامية التي رافقت وأعقبت رحلة العودة الدراماتيكية للرئيس البشير من جوهانسبيرج .

4) الفشل في إدارة الحوار والتلكؤ في الخروج بتوصيات مقنعة منتجة ، تساهم في حلحلة التشابك وإذابة الجمود السياسي السائد. وإستبداله بتوزيع وإستحداث وزارات وحقائب هامشية لإسكات الأصوات المعارضة حتى حين.

5) العثرات الماثلة في أداء الجانب الإقتصادي. وبروز أزمات تمس المواطن مباشرة ، وتعطل عجلة الإنتاج ؛ من قبيل تدني الخدمات الصحية والعلاج . وقطوعات الماء والطاقة الكهربائية . وندرة البنزين والجازولين . وغيرها من أزمات كان عمر البشير قد أعلن سابقاً وحتى وقت قريب عن التخلص منها نهائياً إلى غير رجعة.

بعد كل هذا جميعه وبعضه وغيره من إخفاقات شملت صعوبة وإنعدام التوافق على تشكيل الوزارة الجديدة ... فلا أشك مطلقاً في أن عمر البشير قد فطن إلى ضعف وهشاشة من تبقى في جعبته من قيادات وكوادر التنظيم والأمانات على علاتها في حزبه المؤتمر الوطني.... 

من المؤسف أنه ومن فرط العزلة ؛ وبعد أن كانت الخرطوم تشهد زيارات لكبار رؤساء العالم وملوك العرب والفرنجة والعجم .. نراها اليوم ترفع "أقواس النصر" لمجرد أنها وجهت دعوة إلى بانكي مون لزيارة البلاد... ولا ندري كيف سيكون شكل فرحة الخرطوم في حالة لبـىَّ بانكي الدعوة ؟ ... كل هذا على الرغم من أن زيارة بانكي مون لأي دولة عضو في الأمم المتحدة هو حق مبدئي أصيل لهذه الدولة طالما أنها لا تزال تتمتع بالعضوية و "تدفع" الإشتراكات بإنتظام .. ناهيك عن أن السودان تعمل داخل أراضيه قوات تابعة للأمم المتحدة 

ومن المؤسف أن الدبلوماسية السودانية ؛ بعد أن كانت ملء السمع والبصر على المستويين العربي والأفريقي وداخل ردهات الأمم المتحدة طوال عهود سياسية سابقة . نراها أصبحت اليوم تفرح وتزغرد . وتدعو من يعزف لها التمتم ويرقص معها اللّول لول لمجرد أنها ستشارك في معرض مؤتمر إقتصادي في عاصمة الأزياء وخطوط الموضة ميلانو.

هذه النعاج التي يحاول عمر البشير أن يقطع بها أشواط سنوات حكمه الخمس القادمة ستبقى عجفاء ظلفاء ؛ وقدرات المسير عسيرة عليها لا محالة. 

واقع الأمر أن معظم هؤلاء أفندية .. والأفندية لايصلحون إلا لتقي الأوامر وإلتزام السمع والطاعة ، ولتطبيق الروتين وتسيير دولاب العمل في الخدمة المدنية .. لكنهم في كل الأحوال ليسوا على خبرة ودراية بممارسة السياسة والقدرة على مماحكاتها وأساليبها الميكافيلية في صياغة وخلق التوافقات ومخرجاتها.

وحتما فإن النعاج (قبل البشير) قد توصلت إلى قناعة بذلك . ويخيفها اليوم أن تتلقطها الإخفاقات والإحتجاجات والإنتفاضات من كل جانب ....

ومن ثم ؛ فإن البديل في هذه الحالة لم يكن ليخرج عن خيارين:

1) الخيار الأول هو العودة بعلي عثمان طه ونافع إلى وسط حظيرة الحزب مرة أخرى.
هذا الخيار أصعب ما يكون .... صعوبة اللجوء إلى هذا الخيار تكمن في أنه سيفتح الباب أمام تصفية حسابات عسيرة على النعاج في كل مفاصل الحزب وحتماً الدولة .... 
كما أن عودة علي عثمان طه ونافع معا سيؤدي إلى إنشقاق أخدودي يصعب على عمر البشير ردمه وإدارته ؛ واللعب على تناقضاته بما يكفل له الإستمرار في رئاسة الحزب والدولة ؛ ناهيك عن القبضة المطلقة التي بات بتمتع بها اليوم عقب خروج الأسود والذئاب وإندياح النعاج.

2) الخيار الثاني هو الإستعانة بكاريزما الترابي . والعودة بأتباعه في المؤتمر الشعبي للإنضواء تحت راية حزب المؤتمر الوطني .

وأعتقد أن تفكير النعاج في المؤتمر الوطني قد هداهم إلى أن إعادة إنتاج وإخراج حسن الترابي بمواصفات ألـ New look

الحسنة الوحيدة التي أصبح يتمتع بها حسن الترابي اليوم (83 سنة) تكمن في أنه قد أصبح " أسـد عجوز " ؛ يقنع بالفطائس ولايفطن إلى ما إذا كان الماء عكراً أو صفواً ....... يقضي وينام معظم أوقاته داخل عرينه . ويكتفي بترديد جكايات وأساطير ما مضى من أمجاده للجالسين أمامه القرفصاء من أحفاده .... وهو بذلك لايخيف نعاج المؤتمر الوطني ؛ أو هكذا يخيل إليهم ويظنون أنه كَـيْـلٌ يسير.... وأن إستدعاء الماضي وإعادة إنتاجه على هذا النحو سيحيل الواقع المرير إلى بهجة ممتدة بغض النظر عما إذا كانت مثمرة من عدمه .... أو كما يقول الكابلي : " بخيال قبيل أشـوف بالحـيل لحظـات سـرور".

وبالطبع فلا مانع أن يخرج الأسد العجوز من عرينه ما بين كل "عصرية" وأخرى لبتنفس الهواء النقي . يستهزيء بأحاديث أشرف الخلق . ويدلي دون عناء بآراء وفتاوى من وحي المزاج الشخصي وهدي "فقه الذات"؛ بعيداً عن قواعد الشرع والإنصياع لأوامر الله ونواهيه ؛ فينشغل بها الناس عن تناول معاناة الواقع لفترة ... وتتداولها الأسافير والمواقع الألكترونية تفنيداً وسخرية.

وبمثل ما تلهّى الشعب فترة بعودة جعفر نميري ومحمد وردي وغيرهما من المنفى ... ثم بالوثبة وحزب الإصلاح ؛ وسجن وخروج الصادق وإرهاصات عودته . فلا مانع من أن يتلهى الناس عن أحداث جنوب أفريقيا بإشاعات عودة الترابي . وإضاعة بعض الوقت في تداول ومناقشة أفكاره الديماجوجية ، وتفاصيل مشروعه الجديدة لتوحيد المسلمين والخروج بهم يتدرعون بأوراق المصاحف ويحملون السواطير لمبارزة طواحين الهواء الأمريكية ؛ توطئة لبدء تطبيق المرحلة الثانية من مشروعه الحضاري للسيطرة على العالم.

ومن جهة أخرى ؛ فإن النعاج في المؤتمر الوطني لابد أنها تدرك من خلال "تفكيرها الهادي" أن إعادة الذئاب من تلاميذ الترابي الأوفياء ؛ الذين فضلوا الخروج معه من القصر إلى الشارع والمجهول ..... أمثال هؤلاء الذئاب سيصبحون بمثابة "خط النار" الذي يقطع على مجموعة علي عثمان طه من جهة ومجموعة نافع من جهة طريق العودة مرة أخرى إلى مفاصل حزب المؤتمر الوطني ومراكز إتخاذ القرار في أماناته والتنظيم.

ورويدا رويدا سيتم سلخ وفرز ذئاب الشعبي عن الترابي ؛ والإلقاء بمشروعه الجديد في أقرب مزبلة.

واقع الأمر ؛ أرى هذا التكتيك فيه الكثير من "ذكاء" و "دهاء" النعاج المسالمة الوديعة . فذئاب المؤتمر الشعبي ليست لديها ثارات تاريخية وضغائن وأجندة تصفية حسابات مع نعاج المؤتمر الوطني ؛ بقدر ما أنها كانت ولا تزال تطالب برؤوس علي عثمان طه ونافع وأتباعهم من ذئاب المؤتمر الوطني.

ثم أن النعاج في المؤتمر الوطني تبقى على قناعة واثقة بأن بـزة الرئيس البشير العسكرية ستضمن لهم مراعي آمنة في حدائق القصور الرئاسية والولائية .. وأنه ستكون لديهم فوق هذا وذاك فرصة اللعب بأوراق التناقض الفكري والسياسي ، وقيود المصالح الشخصية الكامنة والمستجدة بين ذئاب المؤتمر الشعبي ورموز وأنجـال رموز الطائفية الحزبية .... و "الحزمة" الثالثة الأخرى المتمثلة في أحزاب الفـكـة.

نتوقع إذن أن تمتليء الساحة عما قريب بالنعاج والذئاب والثعالب .. وحتى القطط السمان ، والدجاج والبلابل والحمام ..... ويتبقى بعد كل هذا أن ننتظر هل يفلح الرئيس عمر البشير في رعي نعاج المؤتمر الوطني إلى جانب ذئاب المؤتمر الشعبي؟ 
مصعب المشـرّف
18 يوليو 2015م
الراكوبة
mosaab5@gmail.com  






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق