الأحد، 9 أغسطس 2015

السعودية تستعرض عضلاتها في الشرق الأوسط


يبدو أن هناك نارا تحت الرماد في المملكة العربية السعودية؛ إذ انتهى العمل بالمقاربة المحافظة التي كان ينهجها البلد عبر تاريخه في التعاطي مع القضايا الاستراتيجية الكبرى، والتي تقوم على عدم إثارة المتاعب وتوخي الحذر الشديد عند التعامل مع قضايا منطقة الشرق الأوسط.
وحل محل المقاربة المحافظة التي شهدتها المملكة الغنية بالنفظ، اتجاه جديد وحازم يقوم على الانخراط في مشروعات غير مجربة سابقا بالرغم من أنها قد تنطوي على مخاطر محتملة.
ففي اليمن، يشن الجيش السعودي حربا على المتمردين الحوثيين منذ أكثر من أربعة أشهر.
وفي سوريا، توسعت السعودية في رعايتها للمتمردين الإسلاميين المعارضين لحكم الرئيس بشار الأسد إلى حدٍ كبيرٍ.
وفيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، كشف مصدر مطلع أنه حال توافر القناعة لدى السعودية بأن إيران سوف تطور سلاحا نوويا، فسوف تسلك المملكة نفس المسلك، ما يؤدي إلى بداية سباق تسلح في الشرق الأوسط.

خلفيات الموقف

في سبتمبر 2013، كنت جالسا في غرفة استقبال مكيفة الهواء داخل قصر محاط بالحرس بمدينة جدة السعودية بالقرب من ساحل البحر الأحمر.
وكان بصحبتي داخل الغرفة شخصان هما سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد آنذاك، وأقرب أبنائه إليه محمد بن سلمان.
أصبح الحوثيون في موقف دفاعي عقب إجراءات عسكرية مكثفة اتخذها التحالف الذي تقوده السعودية
وكان ولي العهد سلمان بن عبد العزيز، قبل 16 شهرا من توليه حكم السعودية خلفا للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، بصفته وزيرا للدفاع قد قطع عطلته في المغرب وعاد إلى السعودية لتولي قيادة القوات المسلحة التي كانت تستعد لدعم الأمريكيين في شن ضربات صاروخية عقابية ضد بشار الأسد.
وكان من المفترض أن تندرج الضربات الجوية في إطار القناعة التي توافرت لدى المجتمع الدولي على نطاق واسع بأن بشار الأسد استخدم غاز الأعصاب في الهجوم على الغوطة في ذلك الصيف، والذي أودى بحياة مئات من المدنيين السوريين.
ولكن بفضل الوساطة الروسية التي توصلت إلى عقد صفقة مع الأسد قضت بتسليم النظام السوري ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها، أو معظم تلك الأسلحة، أُلغيت الضربة الجوية العقابية قبل ساعات قليلة من الموعد الذي كان محددا لشنها.

شباب وطموح

كان إلغاء الضربة العقابية لحظة مؤثرة ونقطة تحول في أسلوب تعامل القيادة السعودية مع الولايات المتحدة.
وشعرت السعودية بالخذلان التام من جانب الحليف الأمريكي التاريخي؛ إذ كانت تأمل أن يؤدي عمل عسكري دولي ضد نظام الأسد إلى تغيير المعادلة في الحرب الأهلية التي يشهدها البلد بحيث يزول الحليف العربي لإيران، الرئيس الأسد، وتحل محله حكومة يقودها السنة.
ولكن عندما لم يتحقق ذلك، توصل كبار أمراء السعودية وصانعو القرار في البلاد إلى قناعة بأنه لابد لهم من أخذ زمام المبادرة لمعالجة الأمر بأيديهم.
بهذا احتل صدارة المشهد الشاب الذي لا يتمتع بالخبرة العسكرية لكن يحدوه طموح كبير أي الأمير محمد بن سلمان، الشاب الذي حضر ذلك الاجتماع في جدة.
ويبلغ محمد بن سلمان من العمر نحو ثلاثين عاما، ما يجعله ربما أصغر وزير دفاع في العالم.
كما أنه يتصدر المشهد في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية لردع الحوثيين الشيعة في اليمن وإعادة الرئيس اليمني المنفي عبد ربه منصور هادي، حليف السعودية، إلى سدة الحكم.
وتظهر نشرات الأخبار السعودية الأمير محمد بن سلمان الذي يتميز بطول القامة والذي غالبا ما يظهر بلحية غير حليقة أثناء تفقده غرف العمليات العسكرية الدائرة في اليمن وأثناء اجتماعاته مع قادة الجيش.
يعيش 80 في المئة من اليمنيين على الإعانات جراء الحرب الدائرة هناك
ويبدو أن الأمير الطموح قد كسب الرهان وبدأ يحقق مبتغاه، على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب اليمني البائس.
وبعد أربعة أشهر من القصف المتواصل لمواقع الحوثيين بالمقاتلات الجوية، ومحاصرة الموانيء والمطارات اليمنية، وإنزال لواء مدرعات إماراتي في عدن، انكمشت قوات الحوثيين وأصبحت في موقف دفاعي.
ورغم التقديرات التي تشير إلى مقتل ثلاثة آلاف يمني واعتماد 80 في المئة من الشعب اليمني على الإعانات، يبدو أن القيادة السعودية لا زالت مصرة على المضي قُدُما في حملتها العسكرية وإجبار الحوثيين على السعي نحو السلام.
ومن المرجح أن السعودية ماضية في طريقها، ليس فقط لتأمين الحدود الجنوبية مع اليمن، بل للقضاء على مخاوف ظهرت على السطح من أن تحاصر المملكة بحلفاء إيران في المنطقة من جميع الاتجاهات.
ففي اليمن، هناك جماعة الحوثيين الشيعة الذين يمثلون أحد أقوى الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة رغم أن الواقع يؤكد أن المكاسب التي حققوها في بداية الصراع جاءت مدفوعة بدعم من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لا من إيران.
تكثف قوات التحالف الذي تقوده السعودية من وجودها في اليمن
أما في العراق، فانتابت حالة من الفزع السعودية وهي تشاهد سقوط النظام السني بقيادة صدام حسين لصالح حكومة يسيطر عليها الشيعة الذين تربطهم علاقات وطيدة مع طهران. وكانت القوات المدربة على يد خبراء عسكريين إيرانيين هي الأداة الأكثر فاعلية التي ساعدت حكومة العراق على استعادة مدينة تكريت من تنظيم "الدولة الإسلامية".
أما في سوريا، فتعتقد السعودية أن حزب الله، حليف إيران، يحارب المتمردين السنة في سوريا، ويدعم الشيعة في البحرين وبعض المحافظات الشرقية السعودية. وتتهم السلطات السعودية منذ وقت طويل فيلق القدس الإيراني بأنه وراء تأجيج الاضطرابات بين الشيعة في السعودية.
ويتسائل منتقدو السعودية عما قد تؤول إليه الأمور في ضوء هذه المعطيات.
ويرى بعضهم أن الدولة تخدع نفسها وتغامر بدعم لاعبين خطرين في مناطق مثل سوريا، ما يوفر دعما لنشاط الحركة الجهادية في المنطقة ويولد المزيد من العنف على يد مؤيدي تنظيم "الدولة الإسلامية" في السعودية وغيرها من الدول.
في المقابل، يرى مراقبون مخضرمون أن المقاربة الحازمة الجديدة التي تنهجها السعودية، في أعقاب الربيع العربي الذي وصفوه بالكارثي وأنه جلب البؤس لأغلب دول المنطقة العربية، تقوم على أنه لم يعد أمام السعودية أي خيارات سوى أن ترعى مصالحها بنفسها وتشكل تحالفاتها بدون وصاية من أحد وتختط طريقها بمفردها بغض النظر عن خطط واشنطن.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق