الأحد، 9 أغسطس 2015

الحوار السوداني الشامل: مرونة حكومية لترميم شرعيتها ومهمة أمبيكي يم-شرعيتها-ومهمة-أمبيكي


حدّدت لجنة الـ"7+7" الخاصة بإدارة الحوار الوطني في السودان، موعداً جديداً للانطلاقة الفعلية لعملية الحوار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل بعد تعثر زاد عن العام ونصف العام، انسحبت خلاله قوى فاعلة كانت مؤيدة للحوار، بينها حزب الأمة المعارض بقيادة الصادق المهدي وحزب الإصلاح الآن برئاسة غازي صلاح الدين، المستشار الرئاسي السابق.

عقب هذه الانسحابات، باتت تقتصر لجنة السبعة على الأحزاب المتحالفة مع الحكومة فضلاً عن أحزاب معارضة ليست ذات وزن في الساحة السياسية السودانية، باستثناء حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي. وهو ما يجعل إمكانية إطلاق الحوار في الموعد المحدد له "بمن حضر" أمراً مستحيلاً، ولا سيما أنّ الحكومة سبق أن جرّبت هذه الخطوة لدى توقيعها اتفاقيات سلام ثنائية عدة مع الحركات المسلحة سرعان ما فشلت في وضع حدٍ للحرب.

وأتى قرار تأجيل الحوار إلى أكتوبر المقبل بإيعاز من الحكومة، على الرغم من تمسك حزب المؤتمر الشعبي بضرورة انطلاقه الشهر الحالي. وتقول مصادر داخل الحزب الحاكم لـ"العربي الجديد" إنّ المؤتمر الوطني لن يستطيع أن يجري أي حوار في الوقت الراهن لانشغاله بالصراعات في داخله، فضلاً عن خلافات تياراته، الرافضة والمؤيدة لانطلاقة الحوار، وما تضعه من عقبات في طريقه.

وشهد الأسبوع الماضي تحركات متسارعة قادها رئيس الوساطة الأفريقية، الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، ثامبو أمبيكي، الذي وصل إلى الخرطوم يوم الأحد الماضي، بالتزامن مع تواجد وفد ألماني في إطار المحاولات الأفريقية والأوروبية للتغلب على معضلة جمود الحوار الوطني السوداني.
ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، فإن الحكومة أبدت مواقف مرنة في ما يتعلق بالحل الشامل لقضية السودان بعد أن كانت تتمسك بضرورة ثنائية الحل في ما يلي إنهاء الحرب في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، على أن يتم ذلك عبر إدارة عمليات تفاوض منفصلة مع كل طرف. ويعدّ مراقبون الخطوة تنازلاً من الخرطوم يصبّ في اتجاه تقديم الحكومة للمزيد بما يدفع بعملية الحوار.
وقد عكس هذا التجاوب الحكومي، وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي أكد في تصريحات صحافية تطلع الحكومة لحوار شامل يشهد عليه الشعب، في إشارة إلى الحل الشامل.
ولأول مرة، لم تتطرق لقاءات أمبيكي مع الحكومة السودانية لقضية استئناف التفاوض الخاص بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان فضلاً عن دارفور. وهو الأمر الذي يعدّه مراقبون خطوة في إطار إحالة الملفين إلى طاولة الحوار لتشارك كل القوى في حلها كما كانت تطالب. وأكد مساعد رئيس الجمهورية، إبراهيم محمود، في تصريحات عقب لقائه أمبيكي، أنّ اللقاء اقتصر على الحوار ولم يتطرق لقضية المنطقتين أو دارفور.
ويرى مراقبون أنّ الحكومة ليس أمامها خيار سوى إبداء جدية أكبر نحو عملية الحوار بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية وحالة الاستقطاب السياسي فضلاً عن إرهاق الحرب لخزينتها، إذ تصرف يومياً أربعة ملايين دولار على الحرب. وهو الأمر الذي يجعل استمرارها أمراً ليس في مصلحتها.
ويؤكد المحلل السياسي، محمد عوض، لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة استنفدت كل مراحل المناورة في قضية الحوار، ما يحتم عليها إبداء قدر من الجدية، ولا سيما بعد تآكل موقفها الدولي والإقليمي وضعفه فضلاً عن تراجع مشروعيتها الداخلية.
ويعتبر عوض أنه لهذه الأسباب "تدرك الحكومة تماماً أنها باتت ملزمة بتقديم تنازل حقيقي وإحداث اختراق في ملف الحوار". ويلفت عوض إلى أنّ "قرار القصر الرئاسي الأخير بفصل النائب العام عن وزارة العدل بداية لتغيير مواقف الحكومة وتنازل يصب في إطار إصلاح حقيقي وتقديم تنازل أكبر يدفع بعجلة الحوار".

وكان الوسيط الأفريقي قد أنهى أخيراً مشاورات مع الرئيس السوداني عمر البشير ومسؤولين في الحكومة، دفع خلالها بمقترح لخطة متكاملة لعملية الحوار، وأعاد طرح مقترح عقد مؤتمر تحضيري يجمع الحكومة مع القوى السياسية، بما فيها القوى المعارضة، المسلحة والسلمية، في أديس ابابا لمناقشة جملة من المواضيع حددها أمبيكي في أهداف الحوار وآلياته ومن يشارك فيه.

وفي السياق، تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ الحكومة اشترطت أن يقتصر المؤتمر التحضيري عليها وعلى الحركات المسلحة من دون إشراك قوى المعارضة الأخرى، على اعتبار أن الأخيرة تعتبر أحزاباً مسجلة ويمكن أن تدير مؤتمراً في الداخل.

وكانت ألمانيا، التي فوّضها الاتحاد الأوروبي لتحريك ملف الحوار، قد طرحت مجموعة أفكار، واقترحت مؤتمراً تحضيرياً يشارك فيه مندوب عن الحكومة وآخر عن الحركات المسلحة. وطرحت أن يحضر مالك عقار، رئيس الجبهة الثورية التي تنضوي في إطارها الحركات المسلحة، إلى جانب مندوب عن قوى المعارضة الرافضة للحوار يمثله رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، للاتفاق على رؤية محددة في ما يتعلق بانطلاقة الحوار وتهيئة مناخه.
وينتظر أن يقدم أمبيكي، في نهاية الشهر الحالي، تقريراً مفصلاً لمجلس السلم والأمن الأفريقي لإطلاعه على مستجدات عملية الحوار السوداني. كما سيعقد أمبيكي خلال أيام اجتماعاً بالحركات المسلحة السودانية في أديس أبابا لبلورة رأي نهائي في ما يتعلق بالحوار.
وتوضح مصادر في الاتحاد الأفريقي لـ"العربي الجديد" أنّ أمبيكي بدأ مساراً جديداً مع النظام في الخرطوم أكثر تشدداً، ولا سيما إثر إفشال الحكومة للمؤتمر التحضيري الأول الذي دعا إليه في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد أن رفضت الخرطوم المشاركة فيه. وتشير المصادر إلى أن الوسيط الأفريقي يبدو يائساً من إحداث اختراق في الملف السوداني في ظل تعنت جميع الأطراف، محذرة من أن أمبيكي بات أقرب نحو طلب إنهاء مهمته وإعلان فشله. وذكرت المصادر أن تحركاته الحالية ستكون الأخيرة إما تدفع بالحوار أو تدفعه للترجل من منصبه.
وكان رئيس حزب الأمة السوداني المعارض، الصادق المهدي، قد نقل عن الوسيط الأفريقي تأكيدات له بتوجهه إلى إعلان فشل وساطته ورفع ملف السودان إلى مجلس السلم الأفريقي وتحميل نظام الخرطوم مسؤولية استمرار الحرب والانفراد بالحكم في حال التعنت في قضية الحوار الوطني.
وفي السياق، يتوقع الخبير السياسي، الزين عبدالله، أن يدفع أمبيكي كمحاولة أخيرة، بخطة جاهزة للأطراف السودانية لتكون أساساً للتسوية الشاملة. وأكد أنها ستكون الفيصل في استمراره في إدارة الملف من عدمه. ويرجح ألّا ترفضها الحكومة ولا سيما بالنظر لحجم الضغوط التي تواجهها، لكنه يستدرك بالقول "ستعمد للمناورة وإيجاد حل وسط".

في المقابل، طالبت "الحركة الشعبية - قطاع الشمال" بعملية جديدة للحل السلمي قائمة على شمولية الحل وفقاً لشروط حددتها في وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية فضلاً عن منح الوساطة الأفريقية مهمة الإشراف على العملية واعتماد شركاء لها من قبل الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد" ودول جنوب السودان، تشاد، مصر، الجزائر وجنوب افريقيا، فضلاً عن الترويكا (بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج) والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وألمانيا وفرنسا، بهدف المراقبة وحشد الدعم الدولي لنتائج الحوار.
كما أبدت "الحركة الشعبية - قطاع الشمال" استعدادها لإجراء مشاورات مع الوساطة الأفريقية و"إيغاد" والمجتمع الدولي لحل الأزمة السودانية في إطار الحل الشامل رافضة تماماً الحلول الجزئية.


العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق