الاثنين، 10 أغسطس 2015

«بيزنس» شركات جهاز الأمن السوداني في التصدير إلى أوروبا



لعل الخبر الذي تناوله عدد من الصحف والوكالات العالمية، ومن ثم تداولته في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا بين السودانيين خلال صدر الأسبوع الماضي، هو خبر «عبور مهاجر سوداني لنفق تحت الماء، وهو نفق المانش، الرابط بين فرنسا وبريطانيا، الذي تستخدمه القطارات السريعة المعدة خصيصا للسير في هذا النفق، والذي يحتوي على إجراءات أمن وسلامة عالية الدقة»… هذا الخبر حظي بالكثير من التعليقات والمواقف، باعتباره أول «اختراق» لأجهزة أمنية ودفاعية عالية في الرصد والكشف، اعتبرته سلطات البلدين صادما ومستغربا ومدعاة حقيقية لمراجعة أنظمة رصدها في القناة، كما هو مثار تعجُب واندهاش كثيرين جراء المخاطر، بل المخاطرة في أعلى درجاتها بالروح.
خروج المهاجر السوداني سالما، عناية إلهية ولطف رباني لإنسان جسد ملحمة يمكن أن يقع عليها توصيف «الصراع من أجل البقاء»، بغض النظر عن المسوغات التي دفعت به إلى اختيار طريق الهلاك من نقطة المبتدأ عبر قوارب الموت إلى عبور النفق المائي. هذا مشهد من مشاهد مؤلمة وصادمة بالطبع نحن جزء منها، مشاهد تتعرض لها البشرية يوميا وبالملايين في دول الجنوب من آسيا إلى أفريقيا، وتستقبلها وسائل إعلام الدول الرأسمالية الصناعية بالضجر والاستياء، حيث في نظرة كلية، هي جزيئية صغيرة جدا من تداعيات اختلال تراكم الثروة العالمي وكيفية توزيعه، هذا فضلا عن غياب مؤسسات دول المواطنة والحرية والديمقراطية، أو قل مشاريع الدول الفاشلة بين جل دول الجنوب، التي تعرف هوة عميقة بينها وبين دول الشمال، وكذا في شكل العلاقات القائمة على أساس تكريس التبعية وامتصاص الثروات، وبتعاون مع أنظمة استبدادية استعمارية، تعمل تحت لبوس «الوطنية»، تعيش وتعتاش على فائض قيمة إنتاج شعوبها، كما هو الشأن في أفريقيا، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد عندنا في السودان نموذجا واضحا لأسوأ نظام في القارة السمراء، ما انفك قرابة ربع قرن الزمن يزعم ويتحايل ويكذب ويتاجر في كل شيء، بدءا من الدين إلى المخدرات وأخيرا البشر وأعضائهم، كل ذلك تحت شعار «إسلامويته الطاهرة» أو بالأحري طهارة إسلامويه وزعامة عسكرتاريته، الذين يتوسلون، أي شيء حتى لو كانوا أشباحا لحمايتهم. 
إن مدرسة نظام حكم البشير، لا تحكمها دعامة دينية ولا أخلاقية ولا معتقد سياسي، هذا موضوع متجاوز، من وجهة نظري نعتقد أنهم بحاجة إلى فتوى من أولئك الأئمة الذين يفتون بمرونة في أمر استباحة دم الأنظمة وشخوصها! والنصوص الدينية التي تؤسس لهذه الاستباحة وشروطها الفقهية، في ظل ظواهر التطرف والانحراف الديني القائمين وعلى أكثر من صعيد، متوافرة إن لم نقل جاهزة. وضمن بنية نسق سلطة اللامعنى السودانية، في قيمها وأدبياتها وشرعة وجودها وسلوكياتها، كمحددات أنتجت مكوناتها منظومة عقلها الجمعي الإجرامي، التي دفعت بهم وباستمرار إلى ارتكاب أفعال ضد البشرية، حتى انتهت بهم موضوعيا إلى ارتكاب جرائم مثل، الإبادة ضد الإنسانية والحرب وانتهاك حقوق الإنسان واستعمال سلاح التجويع، بالإضافة إلى رعاية أكبر مشروع فساد ممنهج وبيّن، لتتحول عضوية ناديه بعد ربع قرن إلى طبقة مُلاك أو إقطاعيين، أعضاء هذا الحزام يصنفون ويعرفون بأصحاب «لِحى» خاصة في التشذيب، ومن دون تهذيب، رسمهم يختلف من حيث الشكل عن لِحى المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب من السواد العام من الناس، يشتغلون فقط في استثمار السلطة والمال العام والممتلكات العامة. 
إلى جانب ذلك، سجل أرشيف «الملاحم» الإجرامية الكبرى لعصبة حكم الخرطوم ما سبق أن تناولناه في الصفحة ذاتها، كما تناولتها أقلام أخرى وأشارت إليها تقارير من «هيومن رايت ووتش» عن تجارة للأعضاء البشرية تتم في المثلث السوداني في شرق السودان إلى مصر عبر صحراء سيناء، «مصدر تهريب السلاح من السودان»، وأشارت تقارير المنظمة إلى ضعف الرقابة السودانية، وقد تكون بالكاد منعدمة. وجراء وجود جهات أمنية لها ارتباطات مع قيادات حكومية نافذة ولوبيات ضغط، لم تتمكن الحكومة السودانية من فتح هذه الملفات التي مصدر موادها الخام مخيمات اللاجئين الإريتريين في شرق السودان، التي ربما أصبحت بضاعة حية لكل عناصر الفساد في الحكم. هذا الملف أيضا شبيه بملف آخر، يتعلق بجهاز الأمن السوداني، الذي حوله منذ سنوات أحد رؤسائه السابقين، إلى جهاز أمني يعمل بذراع اقتصادي استثماري في الممنوع وغير الممنوع، ويقوم بكل أشغال الأمن والاستبداد، ويقرر في كل شؤون الحكم والإدارة والاستثمار والتجارة الدولية والداخلية، عبر لافتات لشركات وهمية، ملكيتها لجهاز الأمن السوداني، الذي يعتبر أحد أهم بيوتات رعاية الفساد، ما أصبح حديث العامة، حيث تشير تقارير داخلية لمنظمات وهيئات غير حكومية سودانية، إلى أن تجارة المخدرات تمثل أحد أهم مصادر تمويل جهاز الأمن، خصوصا بعدما تم الكشف قبل شهور مضت عن سفينة محملة بالمخدرات مقبلة من أفغانستان، رست في ميناء «بورتسودان» وتم التحفظ عليها، حيث أشارت مصادر تعمل في الجمارك السودانية وقتئذ، إلى أن محطة تفريغ الحمولة المقصودة هي ميناء بورتسودان، إلا أن الأخبار حُجبت وتم التستر والتكتم عليها، من دون أن ننسى، قبل أيام وفي الشأن ذاته وقعت جريمة، بطلها رجل أمن، وكانت هي أيضا محلا لحديث الجميع بالصور والأدلة، تتحدث عن حيثيات القبض على ضابط أمن في ولاية شمال كردفان وهو يهرب كميات ضخمة من «البنقو» – حشيش سوداني- ويذكر أن هذه اللوبيات تجمع كل المنتوج في تلك المناطق وتخزينها في مواقع خاصة وبرعاية تامة داخل الخرطوم للتصريف وربما التصدير، وهذا ما يفسر حجم زيادة تعاطي المخدرات، لدرجة وصولها حد الظاهرة غير المسبوقة وسط الطلاب والطالبات في الجامعات السودانية، وفق نشرات رسمية حكومية خجولة، من دون أن تتحدث عن الأسباب والدوافع.. أما المثير وذي الصلة بمقدمة المقال، ما كشف عنه عدد من مصادر المهاجرين إلى أوروبا ومن مواقعهم إلى ليبيا، والمتوسط إلى أيطاليا أو اليونان، أغلبهم من جنسيات سودانية وإريترية وإثيوبية وسورية، تفيد بعض عينات لشهادات من هؤلاء الشرائح، إلى أن هناك شركات تتولي مهمة تصديرهم إلى اوروبا، وهذه الشركات ومواقع التجميع يتم في السودان كمنطقة عبور أساسية، هذه الشركات تعمل بحرية مطلقة داخل السودان، ويبدو ان هناك جهات رسمية سودانية تعمل على رعايتها، وهي على تنسيق عال مع لوبيات الهجرة في ليبيا، يشمل ليبيين وأجانب، وإذا ما تأكدت صحة هذه الروايات، معناها تورط إحدى الشركات الأمنية الوهمية في ذلك، ولما لا الحكومة السودانية، التي هي نفسها تعيش ازمة اقتصادية خانقة، ما يدفعها إلى ابتزاز الأوروبيين في كونها غير قادرة على حماية حدودها من هذا النزيف البشري الهائل، كمنطقة عبور أساسية ولها حدود واسعة مع عدد من الدول، وبالتالي يتوجب دعمها لقطع الطريق أمام تدفق هذه الهجرة، ويأتي هذا في ظل عمل شركاتها الأمنية بالتصدير واختيار عينات منتقاة وباستراتيجية عالية لإحداث إفراغ وتغيير ديمغرافي مطلوب في السودان.


محجوب حسين
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
القدس العربي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق