الأحد، 17 يناير 2016

مشروعية استباحة الدم السوداني لدى الحزب الحاكم



لا تسعف المرء اللغة للتعبير عن عاطفة الغضب   التي تزلزل الكيان , وتنغص الوجدان , وتحول الدواخل الى مرجل يغلي وشظى يتطاير , هذا شعور انساني طبيعي وعاطفة صادقة بدون تلوين, 
, فالإحساس لا يكذب وإنْ جمّلته دواعي العقلانية , و الحلم ورغم أنّه صفة  ايجابية وكذا التسامح بيد أنّ للصبر حدود , ومهما بلغت درجة احتمال الأذى فلابد أن تنفد طاقة الانسان على الاحتمال في يوم ما قصر الأمد أو طال , وساعتئذ لا يلومن الجبّارين المتغطرسين الا أنفسهم . أقول هذا , لأنّ مواصلة استباحة الدم الانساني السوداني هي الخطة و البرنامج  والاستراتيجية والآيدولوجيا المعتمدة و التي ينفذها يوميا  وبدم بارد نظام حكم الفرد الجاثم على الصدور  منذ 26سنة وتزيد؛هي فترة استيلائه على مقاليد الحكم غدرا وخيانة عن طريق أقذر الأساليب وأحقرها ؛ التآمر والخداع .ورغم أنّ  تنفيذ مخطط الانقلاب نفسه لم ترق بجانبيه نقطة دم سودانية واحدة , وتمّ بما يشبه عمليات التسليم والتسلم الاّ أنّ ذلك لم يكن عاصما للدم السوداني بعد ذلك من شهوة تلك الفئة الباطشة  , بل في الواقع الفئة الأسوأ خُلقا والأكثر انحطاطا في القيم من بين جميع تكوينات السودانيين السياسية والاجتماعية , فئة تبزّ بممارساتها أعتى التكوينات الإجرامية التي عرفتها البشرية على مرّ العصور , فالنازيون كانوا ينطلقون من فرضية تفوق الجنس الآري , لذلك استباحوا دماء غير الآريين , واليهود على وحشيتهم تجاه الفلسطينيين بيد أنّهم  يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار فيحرم عليهم دم اليهودي ,  والفاشيون كانوا يميزون , بل حتى الوحوش الكاسرة في فلواتها لا تفتك ببني وحشتها في النوع إنّما تفتك بالأنواع الأخرى , وحدها طغمة المستبدين هذه لا ترعى صلة ولا يعصمها عاصم , وشهوة القتل وسفك الدماء تمتد طيلة عهدها القاتم , مؤتلفة أوان أولّ الاستبداد أو مختلفة حول المغانم كما هي الحال الآن , فممارسة الاغتيال والقتل وازهاق الأرواح الآدمية هي الفريضة التي ولغ في أدائها جُلّ من وضع في يديه سلاح منهم أو صار في موقع اتخاذ قرارات القتل والترويع والتعذيب , قتلوا وما يزالون الطلبة في ساحات الجامعات في الخرطوم ومدني وسنار ودنقلا وزالنجي والدلنج والفاشر وفي كل مكان فيه معهد تعليم , اغتالوا المدنيين العزّل في بورتسودان وأمري وكجبار والفاشر والجنينة وفي شوارع الخرطوم ومدني وغيرها, لم يسلم من أذاهم اقليم ولم تشفع عندهم إصرة دم أو عرق أو جهة أو دين أو  تنظيم, فاغتالوا من بين عضويتهم علي البشير أمام أطفاله,   قتلوا واستباحوا الدم السوداني للمواطنيين الجنوبيين حتى غادروا الوطن غير آسفين , وما تزال حمامات الدم في دارفور بعد ازهاق أرواح أكثر من 300ألف انسان , ما تنفك شهيتهم للقتل مفتوحة , تارة تحت رايات الدبابين والانتحاريين , وتارة بقصف الأنتينوف اللعين , وتارات بوساطة الجنجويد , يمارسون سنّتهم المؤكدة في سفك الدماء في جبال النوبة , ويقول ضابط الأمن الذي تمّ تنصيبه واليا ليتولى سفك مزيد من الدماء , إنّ دباباته زعلانة , وراجماته حردانة , وفيالق وحوشه شفقانة لأنّه منذ 7شهور لم تلغ في دماء البشر من مواطني ولايته البائسة التعيسة . فتأمل في شهوة القتل هذه وعليها قس ما جرى في الجنينة والقرى المحيطة بها قبل أيام , وفي الفاشر قبيل ذاك بقليل وفي النيل الأزرق منذ سنوات , وفي سلسلة المآساة الممتدة هذه الفاعل  معروف , فقد أذأع ضابط مغمور يومها,  اسمه عمر البشير بيانا عبر الراديو والتلفزيون  أعلن فيه تنصيب نفسه رئيسا على البلاد , كُنا شبابا في سني العشرينات يومها , حتى صرنا كهولا في بداية الخمسينات , وما يزال هو (رمز السيادة ) كما تقول أدبيات المنتفعين من فجائع البلاد وشعبها, ولنفترض أنّه كذلك رمزٌ للبلاد وسيادتها فهذا يعني   مسؤوليته المباشرة منذ أذاع بيان الانقلاب الأول , فدماء الطلاب في جامعة الخرطوم في العام 1989م معلّقة على رقبته , أرواح مجدي وجرجس واركانجلو تحوم حول عرشه , دماء د. علي فضل وراسخ وغيرهم ممن قضوا في بيوت الأشباح تطارده , دماء ضباط القوات المسلّحة التي أريقت بدم بارد في آخر أيام رمضان من مطلع التسعينات  ذاك مسؤوليته , صرخات ودماء شهداء معسكر العيلفون للمجندين , دماء ملايين الصرعى الذين يدونون  كأرقام ولكنهم عند ذويهم معروفون بفلان وفلانة في كلّ مكان من أرض السودان  هذه الدماء  أنهار من جحيم تحيط به شخصيا لأنّه وبكامل إرادته اختار زعامة عصابة المجرمين . لا تسامح الآن ,  فأعضاء مجلس انقلابه محفوظون بالاسم والرتبة , والوزراء جميعهم , والحكام على الأقاليم والولاة , وضباط جيشه وشرطته وكوادر أمنه حتى عصر الجنجويد وعناصر الترويع وفرق الاغتيال والتجسس في الأمن الشعبي وغير الشعبي , كلّهم لديه حاضرون , صرفوا ويصرفون الرواتب المليارية  من موارد وحقوق التعليم لأطفال الدرداقات في الأسواق وما يزالون , تناكحوا مثنى وثلاث ورباع , انجبوا البنين والبنات أسسوا الفلل والعمارات والشركات واستزرعوا المزارع والحواشات فيها الاستراحات , جلبوا السلاح والمخدرات قصفوا القرى واحرقوا القطاطي ونهبوا حتى اسقف المدارس والمساجد والخلاوي والكنائس والمعابد ابادوا الغابات وشرّدوا الحيوانات البرية . وهو الرئيس والمسؤول الأول بحكم تزعمّه لعصابة المجرمين , غرر به الترابي أو زيّن له الأمر حاج نور هذا لا يعفيه من المسؤولية الجنائية , أو خدعته تراجي!!فليأت بمن لا يزال حيّا أمام محكمة الدنيا يوم الحساب العسير ليعلن مسؤوليته عن ما أرتكب من جرائم  , ولن نتدخّل في شأن حساب رب العالمين ,فعمر بن الخطاب الذي يحمل اسمه فيما نُسب اليه من قول يحكي مسؤوليته عن بقرة تعثرّت وانكسر ساقها في العراق , لم يكن واردا على الاطلاق أن يعلم بتلك الحادثة , بل حتى شيخ الحلّة  التي تعثّرت بها البقرة ربما لا يعلم بقصتها , ولكن عمر في المدينة المنورة يستشعر المسؤولية , لم يقل والله لو تعثّرت بقرة في غرب دارفور لسأل الله عنها واليها خليل الشريف ! بل قال كما في الرواية (خفت أن يسألني عنها الله لما لم اسو لها الطريق؟) , فمن المسؤول عن المغتصبات في دارفور وغيرها من وقائع انتهاكات حقوق الإنسان وحرق القرى وتهجير المواطنين قسريا والتطهير العرقي وجرائم الحرب  مما أثبتته تحريات لجنة التحقيق الوطنية برئاسة  مولانا دفع الله الحاج يوسف رئيس القضاء الأسبق ولم تختلقها اللجنة الدولية برئاسة القاضي الإيطالي  أو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السابق أوكامبو , أو ليس رمز سيادة البلاد ورئيسها الذي أحتلّ موقع الرئاسة بالانقلاب المسلّح   هو المسؤول الأول وليس الفريق أمن  طه مدير مكتبه أو شيخ الأمين( الطريد) بعد حبس في الامارات ؟ ولأنّ من يتولى منصب الرئيس في أي تنظيم بشري يتحمل تبعات قبوله للرئاسة, مثلما يتمتع بمزاياها المعنوية والمادية  لهذا طاردت المحكمة الجنائية الدولية بينوشيه سفاح الشيلي حتى قبضته , ومثله سفاح صربيا الذي أباد مجموعات من شعب البوسنة والهرسك , وكان معظم ضحاياه من المسلمين ؛ كما هم  ضحايا دارفور , وسحل شاوسيسكو في شوارع بوخارست ,أنزل به شعبه حكم الثورة القاسي , وأعدمت بحكم قضائي قاس رئيسة وزراء البنغلاديش  السابقة , وأغتال جندي سيخي متعصب س  انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند السابقة , وكان الإعدام الوحشي نصيب  قذافي ليبيا , لم يكن الأمر انتقاما من أشخاصهم كأشخاص , ولكنه الحساب لمن كان الرئيس , فلو كانت غاندي ممثلة بارعة في بوليوود لما أعتبرها جندي من السيخ مسؤولة عمّا يراه انتهاكا لحقوقه , ولو كان القذافي راعي إبل في سهول الطوارق لكان حتى  الآن  ربما يحلب ويشرب في لبن ناقته الحلوب , ولو أنّ بينوشيه أنهى عهده دون ارتكاب تلك الفظائع ضد شعبه لما طالته يد العدالة الدولية , ولو كفّ كراديتش أذاه عن مواطني سربينتسيا البوسنية لما عُدّ في التاريخ البشري من المجرمين ,  فهل هناك جنجويدي يحرق ويغتصب من تلقاء نفسه ؟ أم هي الخطط والممارسات التي نمت وترعرعت في عهد الرئيس ؟ هل أغتالت العناصر المسلّحة المواطنين والمواطنات في الجنينة جراء نزاع حول قطعة أرض ؟ أم عراك بين شابين حول الظفر بقلب فتاة حسناء ؟ من المسؤول غير الرئيس عن صون حياة الشعب فماذا فعل ؟ وماذا سيفعل ؟ هذا أوان الحديث القاسي المُر الموجع , فملايين القلوب احرقها القتل المجاني والدم المراق لمن يحبون , ملايين الأطفال يتامى والنساء أيامى والآباء كلمى قلوبهم والأمهات دامية أفئدتهن والإخوة والأخوات والخطيبات والحبيبات والحبايب والأهل والأقارب كلّهم ملتاع محزون مجروح , فمن المسؤول  عن الدم السوداني ,عن الحزن الحاكم ؟ من المسؤول ؟ إذا ظللنا نرجو عطفا ممن لا رحمة عندهم , أو نطلب يسرا  ممن خلقوا كل هذا العسر فإننا ننتظر السراب , فقد تجاوزت المرارات والغبائن حدّ السكوت , ولابد لهذه المهزلة المفجعة من نهاية مهما كان الثمن غاليا , فليس أمرّ من المُرّ الاّ المُرّ نفسه .   
خالد فضل
التغيير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق