الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

موسوعة تشوه تأريخ المسرح السوداني


عندما فكر المسرحي عبد الله الميري في العام 2012 في كتابة موسوعة تؤرخ للمسرح السوداني، لم يجد أمامه سوى جمع قصاصات من الصحف اليومية، وماتوفر من كتابات مصدرها المشتغلين بالشأن المسرحي، الميري يقول: بذلت مجهودا كبيراً, لانجاز هذا العمل الذي أخذ مني وقتاً طويلاً، لكن الموسوعة قوبلت بنقد لاذع، وحركت ساكن المسرح السوداني، لما فيها من مشكلات وأخطاء، وصفها البعض بالقاتلة، وهناك من رأى أن كاتبها خانهم، بل هناك من طالب بحرقها في ميدان عام، لأنها حرفت تاريخ الحركة المسرحية، وأنها كاتبها يستحق المحاكمة والمحاسبة.

٭ جهة الإصدار.. مكان العرض
الموسوعة صدرت قبل أيام عن وزارة الثقافة والتي رأت بأنها تستحق أن تكون ضمن معروضات الكتاب الدولي القائم في أرض المعارض ببري هذه الأيام، عرضها ظل محل جدل ونقاش كثيف.. ما دفعنا لسؤال كاتبها عن سبب عرضها رغم ما تحمله من أخطاء فقال لنا: لا علاقة لي بعرضها في معرض الكتاب الدولي، ووجودها في المعرض ليس أمراً خطيراً يدعو للقلق وعندما أردنا سؤال وزارة الثقافة عن سبب عرضهم لها لم نجد إجابة، فقد حاولنا الاتصال ومقابلة إدارة المعرض ولم نجد أحداً يملكنا أية معلومة.



٭ الضرر
المخرج حاتم محمد علي وهو أحد الذين طلب منهم كاتب الموسوعة مراجعتها ٭ حكى لنا:
عبد الله الميري كان قد طلب مني مراجعتها مع آخرين، وعندما قرأتها وجدت فيها اخطاءً معلوماتية قد تشوه تاريخ المسرح، وأشرت بذلك للميري لكنه دفعها للمطبعة ونُشرت دون أن يأخذ بما قلت له، ويبدو أنه أراد تمريرها علينا فقط، لذلك كان يجب عليها سحبها بأسرع ما يمكن،
وعبر حاتم عن أسفه لوجود كتاب يؤرخ ويوثق لتاريخ المسرح بصورة خاطئة، وأضاف الكتاب خان تاريخاً مهماً، لذلك يجب أن يحرق في ميدان عام
واستغرب من وجود الكتاب- الموسوعة – في معرض الكتاب الدولي رغم كل مافيه من مشاكل تضر أكثر مما تنفع.. وأضاف كان يجب على الميري سحبها بنفسه طالما أنه أدرك حجم الكارثة التي سببها، لكنه الكسل الذي أصبح يعاني منه كثيرون الآن.


٭ الأسماء اللامعة
حاتم قال إن الميري خانه كما خان غيره من الرواد، حين أشار الى أن موسوعته مجازة من أسماء لامعة مثل ابراهيم حجازي، عبد اللطيف الرشيد، حسبو محمد عبدالله، عبد الحفيظ محمد أحمد، عمر الخضر، عبد العظيم أحمد عبدالقادر، وحاتم محمدعلي.. والكتاب ورد فيه أن مكي سنادة، قاسم ابوزيد، دكتور صالح عبد القادر، وأن المقدمة كتبها ابو القاسم قور..
هذه الأسماء اللامعة لا يمكن أن يمر عليها هذا الخطأ الفادح بأن يتحول اسم الفكي عبد الرحمن بقدرة قادر الى الفكي عبد الحميد، والمك نمر تكتب (الملك نمر)، ومسرحية ابوفانوس للفاضل سعيد يصبح اسمها (ابوفراس)



٭ تحذير مكي سنادة
وفي حديث مطول مع الفنان والاسم اللامع مكي سنادة عن رأيه في الموسوعة وحقيقة مراجعته لها من عدمه قال:
لم اراجع الموسوعة وأرجو أن لا يقحم اسمي فيها، وقطع سنادة بأن كاتب الموسوعة غير مؤهل لكتابتها، فهو لم يدرس دراسة أكاديمية تمكنه من ذلك، والموسوعات عادة ما تكتب بجهد جماعي وعبر مؤسسات.. وأضاف: الميري علاقته بالمسرح هشة، وحتى عضويته في فرقة الفاضل سعيد كانت عضوية غير مؤثرة ولا تذكر.. لكنه عاد وقال لا نملك إلا أن نشكره على هذا الجهد الذي غفل عن القيام به كثيرون كنا نحسب أنهم أكثر الناس تأهيلاً للقيام به.. فالساحة تزخر بالعديد من مراكز التكوين المسرحي، والتي تعج بالعديد من الاختصاصيين في هذا المجال من حملة الدرجات العلمية العليا وعن ذكره بأنني واحد من الذين أعانوه.. لا أدري أى نوع من العون يقصد، فلقد امتنعت عن حضور الاجتماع الذي دعا له السموأل خلف الله لمناقشة المشروع.. بل أنني حين لاحظت وجود مشروع هذه الموسوعة بالصدفة على طاولة وكيل وزارة الثقافة الحالي لفت نظره إلى أهمية التعامل مع أمرها بشيء من الحيطة والحذر.. بل أكثر من ذلك أنني قلت له : الميري غير مؤهل للقيام بهذا الجهد بمفرده



٭ الأخطاء
أما الناقد الكبير السر السيد يرى أن الميري نفسه اعترف بوجود أخطاء صاحبت الموسوعة عندما كتب (اعتذر لبعض الأخطاء التي وردت في الكتاب).. وأضاف السر أن الكتاب في أصله معلوماتي وليس كتاباً يحمل وجهات نظر، لذلك الدقة مطلوبة فعندما يذكر الكتاب أن مسرحية (مسافر ليل) لصلاح عبد الصبور هي من تأليف محمد محيي الدين، في ذلك انتهاك لحقوق المؤلف، ومثل هذا النوع من الأخطاء كفيل بأن توصل صاحبها الى المحكمة.. كما أنه ملزم الآن بتصحيح ماورد ذكره، لأن في ذلك تزوير للحقائق فعندما يقول: إن مسرحية عبد الفضيل يعلن غضبه، وهي مسرحية شخص واحد ومن تأليف واخراج وتمثيل رضا دهيب, لكن الميري نسبها لفرقة ود حبوبة وأضاف: الموسوعة جعلت الممثلة سحر ابراهيم -ممثلة في مسرحية الأعمي- وهي لم تك ضمن الممثلين، بينما الممثلة مني الصادق التي عملت في المسرحية لم يذكرها الكاتب، وسبق أن كتب السر السيد مقالاً مطولاً في إحدي الصحف.. وقال فيه
«من ذكرهم معد الموسوعة بأنهم أعانوه على هذا الجهد فأمر فيه نظر، خاصة إذا علمنا أنهم من ضمن كثيرين أصابهم الضرر المعنوي من هذه الموسوعة، فمكي لم تذكر بعض أعماله لا التي شارك فيها ممثلاً ومخرجاً ولا التي انتجت تحت إدارته وإشرافه، بل حتى الذي تم ذكره لم يسلم من أخطاء التاريخ أو مكان العرض، وقاسم نسبت الموسوعة بعض الأعمال التي اخرجها الى آخرين كمسرحيتي (السديم وحب على الطريقة السودانية)، فقد نسبتهما الموسوعة للمخرج جلال بلال، هذا غير الأخطاء في أسماء مؤلفي وعناوين وتواريخ وأماكن الكثير من المسرحيات التي أخرجها، فمثلاً د. صالح فقد غضت الموسوعة النظر عن الكثير من أعماله ممثلاً ومخرجاً ويكفي أن نشير الى مسرحيتي (الجرح والغرنوق) وبيان مهم من عجائز السودان، وحتى مسرحية انتجونا التي أخرجها وذكرتها الموسوعة جاء اسم مؤلفها خطأ، فبدلاً عن سوفكليس نسبت لاسخيلوس كما أوردت تاريخاً خاطئاً لعرضها، فقد عرضت المسرحية في 2005 وذكرت الموسوعة أنها عرضت في1996 وأضاف السيد: الموسوعة لا تتفق والمناهج المتعارف عليها في كتابة الموسوعات



٭ مغالطات
وعند سؤلنا للميري عن الأخطاء التي وردت فيها فهو يرى الموسوعة راجعها أهم صناع المسرح والدراما في السودان- حسب وجهة نظره- كما قال مثل ابراهيم حجازي.
وحول مراجعة مكي سنادة للموسوعة من عدمه قال: مكي لم يراجع الموسوعة لكنه ساعدني من قبل في تقديم كتابين هما (أوراق للذاكرة للمسرح في السودان) (دراما التلفزيون السوداني).. وأضاف لم أقل بأن مكي راجع الموسوعة، وأكد الميري بأنه ظل يعمل لمدة عامين في جمع المعلومات من قصاصات الصحف، ومن ذاكرة المسرح القومي، ودار الوثائق، وكل الكتب التي احتوت على الأعمال المسرحية.. وقابلت رواد المسرح وأضاف: الذاكرة المسرحية تشوبها الكثير من المغالطات والمعلومات الخاطئة، وأن المعلومات ظل يحملها المسرحيون في صدورهم وأذهانهم فقط



٭ سعادة بالأخطاء
الميري لم ينكر أن الموسوعة بها العديد من الأخطاء، لكن هذه الأخطاء عدها أمراً طبيعياً وموجودة في كل الكتب والمراجع المهمة.. مشيراً الى أن الناقد السر السيد، والذي كما قال ظل يصوب سهام النقد عليه، كتبه بها أخطاء وأكد الميري بأنه كان مرجعاً للسر السيد، الذي استفاد من كتاباته وأضاف: أنا سعيد بصدور الموسوعة وسعيد بأنها ستصحح عبر جهات أكاديمية معترف بها مثل شعبة النقد في كلية الموسيقى والمسرح.. وأشار الى أن هناك لجنة كونت خصيصاً لها وأكد الميري أنه سيواصل الكتابة التوثيقية بكل جسارة وشجاعة.


تحقيق: مصعب محمدعلي
صحيفة آخر لحظة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق