الجمعة، 30 أكتوبر 2015

رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان السوداني: أتوقع زيادة اسعار السلع المدعومة سنة 2016


احمد مجذوب ،رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني ، في حوار الجرأة مع (المجهر) (1-2)

* أتوقع انخفاض نسبة الدعم للسلع في موازنة 2016 ، بدلالة انخفاض أسعار النفط
*سكر النيل الأبيض لم ينتج 50 % من طاقته التصميمية وإنتاج كنانة تراجع
*انخفاض سعر النفط جعل كلفة إنتاج نفط الجنوب تعادل 50% من سعره
*160 مليار جنية ميزانية الخطة الخمسية ،منها 80% للقطاع الخاص
مقدمة:
رسم احمد مجذوب ، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الوطني ،صورة قاتمة للاوضاع الاقتصادية ،وقضايا الإنتاج والإنتاجية بالبلاد ، في ظل تدني أسعار النفط ،والتي يتوقع أن تتوالى في الانخفاض لمدة عامين قادمين ،وتوقع أن يؤثر الانخفاض على دولة الجنوب، بما قد يجعلها تعجز عن سداد إيجار استخدام أنابيب النفط ،حسب قوله ،كما سيؤثر على الشركات المنتجة للنفط ، بعدم التوسع في إنتاجها. وكشف مجذوب عن تأخر بعض الوزارات في تقديم موازنتها للخطة الخمسية الإستراتيجية القومية ، مشيراً ،إلى وجود معوقات رئيسية في مساهمة القطاع الخاص في الخطة الخمسية ،جاء ذلك الحديث خلال حوار شامل أجرته معه (المجهر) فإلى التفاصيل.
حوار- وليد النور

{ما هي المؤشرات الاقتصادية التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية بصورة عامة، وكيف تنظرون إليها فيما يخص الهيئة التشريعية من حيث التشريعات والرقابة ؟
المحور الرئيسي في خطاب الرئيس، بعد قضية الحوار الوطني ،هو قضية الاقتصاد ، لذلك أنا أقرأ خطابه على ضوء خطابه الافتتاحي ،الذي قدمه في مستهل هذا العام ، والذي أشار فيه إلى قضايا أساسية في الاقتصاد ، وهي قضية معاش الناس، والقضايا الخاصة بالإنتاج ، لاسيما قطاع الرعي بجانب القطاع الزراعي ،الذي يعتبر أساساً لكل الأنشطة الاقتصادية .

{لكن الخطاب تطرق – ايضاً- إلى البرنامج الخماسي وموازنة العام 2016م ؟
نعم . تضمن الخطاب خطة الدولة لعام 2016 ،ولهذا فإن قراءتي ستكون مربوطة بالبرنامج الخماسي للدولة، الذي أجيز أخيراً، وهذا العام 2016، هو العام الأول في تنفيذ الخطة . وأيضا أشار الرئيس إلى قضايا الإصلاح المالي و الاقتصادي ، وهي قضايا جوهرية تتصل بالإصلاح التخطيطي، في الإطار المؤسسي ، و بالجانب التشريعي في العمل الاقتصادي ومؤسساته ، وكذلك تتصل بمكونات الأجهزة المعنية بالنشاط الاقتصادي. ،وأشار الرئيس الى أن خطة الإصلاح التي سيتم تطبيقها في 2016 ، ستتركز على جانبين، الإصلاح المالي والنقدي، بجانب تحقيق التوازن الداخلي، بأن تتمكن إيرادات الدولة من مواكبة نفقاتها الجارية .

{ الحديث كثر عن القمح ورفع الدعم عنه والمضاربة فيه . ماذا عن رؤيتك لهذا الموضوع ؟
الحديث عن دعم القمح يدخل في الإصلاح المالي، و الدولة كانت تدعم المواد البترولية، والآن تغير حجم الدعم بسبب التغيرات التي حدثت عقب انخفاض أسعار النفط عالمياً ، وتعديل سعر دولار القمح وتحويل الدعم إلى الدواء.
{هنالك تنبؤات باستمرار انخفاض أسعار النفط .فهل نتوقع انخفاض الدعم المخصص لسلعة الدواء في موازنة 2016م ؟
أتوقع انخفاض نسبة الدعم للسلع في موازنة 2016 ، وذلك لأمر واحد يتعلق بانخفاض أسعار النفط ، بل إن تنبؤات خبراء النفط تشير إلى استمرار الانخفاض لفترة أقلاها عامان 16-2017

{ولكن السودان ليس من الدول ذات الإنتاجية الكبيرة حتى يتأثر بانخفاض الأسعار؟
صحيح السودان، لم يكن من المنتجين الكبار للنفط، وبالتالي فان أي انخفاض في أسعاره هو إشارة إلى انخفاض في تكاليف الإنتاج، لأن النفط يدخل في كل حلقات الإنتاج ،سواء كان في التشغيل أو الترحيل.. علماً أن الانخفاض سيؤثر على توسع السودان في إنتاج النفط ،لأن معظم الشركات التي تعمل في البلاد في ظل إنتاجيتنا الضعيفة ، لن تكون متحمسة للتوسع ،وهذا يحتاج من الدولة بذل مزيد من الجهود والترتيبات ،في كيفية مساعدة الشركات في الاستمرار ومواصلة الاستكشافات وزيادة إنتاجها ..

{هل يؤثر هذا الانخفاض على رسوم العبور ،التي يتحصل عليها السودان من دولة الجنوب ؟
الانخفاض أثر على تكلفة نقل البترول، ورسوم استخدامات خطوط النقل من دولة الجنوب، لأننا نأخذها ( مبالغ كاش) من دولة الجنوب . وهذا الانخفاض جعل الرسوم تعادل 50% من قيمة النفط ،وأنا في رأيي، أن من الجوانب السلبية أن هذا الانخفاض سيؤثر على دولة الجنوب، في قدرتها على سداد هذه المبالغ ،وهذا يتطلب اتخاذ معالجات في كيفية الحصول عليها ، وهي تمثل التزاماً على دولة الجنوب وحقاً لحكومة السودان ..

{بعد مرور عام على البرنامج الخماسي هل ترى أنه حقق نجاحا في زيادة الإنتاج ؟
حسب المعلومات المتاحة لي، فأنه لم تكتمل – حتى الآن -حلقات بيان البرنامج ، المقرر لكل وزارة من الوزارات، ولكل وحدة من الوحدات ، بجانب عدم وضوح الرؤية الكاملة ،الخاصة بكيفية تمويل إنتاج السلع الخاصة بالعام الأول ،وأنا أتوقع أن الأهداف المقررة قد لا تتحقق وفق المؤشرات المرصودة، لأن المقرر بالنسبة للعام الأساسي الأول، أن تنفذ الخطة بنسبة 83% بواسطة القطاع الخاص .

{ولكن هل حققت الدولة الشروط الفنية للقطاع الخاص، التي تمكنه من أداء دوره ؟
اعتقد انه لم تتم – حتى الآن – ترتيبات دقيقة للقطاع الخاص ، حتى يقوم بدوره في إنفاذ البرنامج الخماسي ،بجانب أن السياسات النقدية للبنك المركزي . ولم تتم مراجعتها بصورة تستوعب دور القطاع الخاص، وإن لم تخنِ الذاكرة، فان من المفترض أن تكون تكلفة العام الأول قرابة (160) مليار، ويشارك القطاع الخاص في تمويل ما يتجاوز الـ80% من احتياجات العام الأول . وبالتالي ينبغي أن ننظر في المشروعات، التي تمثل هذه النسبة ونوزع تمويلها، بين التمويل الذاتي لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، والتمويل المصرفي، والتمويل الخارجي.

{ ما هي الحلقات التي يجب أن يتبعها القطاع الخاص حتى ينجح المشروع ؟
هنالك ثلاث حلقات ينبغي أن تتكامل: حلقة التمويل الذاتي ، والتمويل الخاص بالجهاز المصرفي ،والتمويل الخارجي ، إن لم يتم الترتيب الدقيق بهذه الصورة سيكون حليف المشروعات المكلف بها القطاع الخاص ،الفشل ، إذا لم توفر هذه المسائل في النهاية، اذ ان المدخل الرئيسي لأي استثمار أو توسع هو جانب التمويل .. وفي رأيي أن هنالك مسائل مرتبطة أيضا بالتركيز على القطاع الخاص في أن يكون شريكاً ،في المسألة الخاصة بإنفاذ برامج زيادة الإنتاج ، وتطوير القطاع الخاص نفسه لقدراته الفنية والتخطيطية والإدارية ،والتعرف على مؤسساته وعلاقاته ونظمه. و هنالك بعض الدول والمنظمات تقدم دعماً لتطوير وترقية القطاع الخاص ،وهذا ما يلي الجزء الأول المتعلق بالإصلاح المالي والاقتصادي ،وينبغي أن يرتبط الإصلاح الاقتصادي ، الذي ورد بما هو مقرر في البرنامج الخماسي . وقد تحدث الأخ الرئيس كذلك عن القطاع الصناعي وقطاع الثروة الحيوانية والزراعية .وتكلم عن قطاع الخدمات.

{ولكن هنالك مشاكل تواجه القطاع الصناعي لم تحل بعد ؟
في تقديري أن مشاكل القطاع الصناعي تحتاج لتعاون الوزارات المختصة ،والأجهزة الفنية المسئولة من القطاع الخاص، في تحديد وتشخيص المشكلة ،الآن القطاع الصناعي ينتج في ظل كلفة إنتاج عالية، مقارنة بأسعار الطاقة في دول الجوار ،بجانب ارتفاع في أسعار مدخلات الإنتاج ، خاصة المستوردة ،فضلاً عن مشكلة التوسع في استخدام التقنية في القطاع الصناعي، الذي يعاني من بعض الإشكالات حتى في القطاعات التقليدية ،لاسيما صناعة السكر ، التي نمتلك فيها مزايا نسبية…

{هل استطاع مصنع سكر النيل الأبيض أن يزيد من إنتاج السكر بالبلاد ؟
حتى الآن لم ينتج مصنع سكر النيل الأبيض 50% من الطاقة التصميمية له ، بجانب تراجع نسبة إنتاج مصنع سكر كنانة ، من معدلات أعوام 2008 و 2009 ، فإذا كانت قطاعاتنا الأصلية، التي لنا فيها خبرة تراكمية، تعاني من مشكلات ، فكيف نتحدث عن زيادة إنتاج ؟

{هل توجد مشاكل إدارية في قطاع السكر وبقية الصناعات؟
نحن نحتاج لمزيد من التشخيص لمعرفة أسباب المشكلات ،لأنها تساعدنا على تجاوز التحدي.. نحن بدأنا التوسع في الصناعات الغذائية، ولكن هل نحن قادرون على خلق أسواق جديدة ، لنصدر إليها منتجاتنا الغذائية أم لا ؟
حتى الآن .. نحن لدينا قطاعات تحويلية مثلاً قطاع الحبوب الزيتية ،لا زال الغلبة فيه للسلع المستوردة ( من السلع المستخدمة ) ، وأنا في تقديري،اننا ، إذا لم نتخذ سياسة متوازنة تمكن القطاع الصناعي الداخلي من أن ينمو ويتجاوز تحديات المنافسة من السلع المستوردة، بما لدينا من مزايا نسبية في إنتاج الصمغ وبعض المنتجات الزراعية القابلة للتصدير مصنعة ، وحتى الآن نحن نصدرها مواد خام ، وأنا في تقديري أن هذا هو التحدي : كيف يمكن أن نحقق قيمة مضافة لكل سلعة من هذه السلع ؟ نحن نصدر السمسم ونبيعه بأرخص الأثمان، ويتم تحويله لزيوت وحلويات بأسعار عالية .

{ماهو تقييمك لتجربة السوق الحر وسلبياته ؟
في تقديري إن حرية النشاط الاقتصادي هي التي حققت النهضة والنمو والتقدم الحاصل الآن ،ولكن يجب أن لا توجد سياسة حرة مطلقة، ولا سياسية تقييد كامل مطلقة ، ولكن هنالك سياسات توجيهية ،مثلا: توجد سلع غير مرغوب فيها ، فهذه لابد من رفع سقف تمويلها ،أو تمنع من التمويل ، بجانب الاستمرار في السياسة حتى تكتمل الحلقة ،وتكون الحرية للقطاع الخاص في عمله ،لكن ينبغي أن تكون السياسة النقدية والتمويلية دائمة لتحقيق الأهداف، نحنا حررنا السياسة النقدية والمالية لمدة 12سنة، وفي تقديري أنها غير فاعلة ولم تحقق أهدافها المعلنة ، وينبغي أن نراجعها ، لأننا نتحدث عن قطاعات ذات أولوية ، ولان نتيجة القطاع المصرفي نهاية العام لا تعكس ،بل التمويل ينساب حسب رغبات البنوك بدعاوى الحرية ، ويجب أن لا تكون هنالك حرية مطلقة في كل الأنشطة ، ولابد من أن يكون هنالك تقييد للسلع ذات الأولوية .

{ ظل التضخم في حالة ارتفاع مستمر ما هي طرق معالجته؟
نحن حتى الآن نعالج التضخم بمدخل نقدي. والتضخم هو ظاهرة تدخل فيها العناصر المالية والنقدية ،وبالتالي فان استخدام الأدوات النقدية فقط بتغيير عرض النقود واستخدام سياسات تمويلية ونقدية تقليدية ،مثلاً رفع الرسوم على بعض السلع، ومنع بعضها ، كلها معالجات نقدية . ومن المهم جداً البحث عن وسائل أخرى لمعالجة التحدي المتعلق بالقاعدة الإنتاجية ،وكيفية زيادة الإنتاج ومشاكل القطاع الإنتاجي ،حتى لو أدت هذه الزيادات للتوسع في عرض النقود .

{ولكن كيف يطبق ذلك، والدولة تدعي دعم بعض السلع ؟
الأمر مرتبط بسياسة الدولة في تطبيق سعر الصرف الرسمي، الذي يطبق حالياً في ثلاث سلع فقط هي النفط والدواء والقمح ،وبقية السلع يتم استيرادها عبر سعر السوق الموازي. ونحن الآن إذا انخفضت أسعار النفط وبلغت درجة أدت إلى تعادل السعر الذي نبيع به الآن النفط للمستهلك النهائي وأسعاره العالمية ، معناها ادعاء أن هنالك دعما لسلعة النفط لم يعد قائماً، الآن بدأنا وراجعنا سياساتنا في تسعير القمح ، وتحركنا وكدنا أن نصل إلى 6 جنيهات ،والدواء غالباً فاتورته قليلة ، وتعادل ما بين 300-400 مليون دولار . إذا، نحن، فاتورتنا الكلية التي تتمثل في سلع الاستيراد في حدود 9-11 مليار دولار، إذا تبقى منها الآن سلع الدواء والقمح في حدود واحد مليار دولار.

ما الحل؟
ليس لدينا حل غير أن نتخذ مزيدا من التدابير ، ومراجعة سياسة سعر الصرف بما يحقق لنا الأهداف ،وأريد أن أضرب مثالا بأهم مصدر من مصادر زيادة الموارد الأجنبية: ففي آخر إحصاء قدمه جهاز المغتربين ، أكد وجود مليون مواطن خارج السودان وآخر تقرير قدمه جهاز المغتربين ،أكد أن الذين طلبوا تأشيرات خروج بغرض العمل 50 ألف ، خلال العام الحالي، لو أن من مجموع المليون مواطن بالخارج هنالك عدد 200 ألف فقط، في وظائف، وإضافة 50 ألف الأخيرين سيصبح العدد 250 ألف ، وإذا استطعنا أن نجذب من كل شخص 100 دولار شهريا، سنتحصل على 25 مليون دولار . في حين أن بمقدور المغترب أن يزيد من مدخراته .

{هل يمكن أن يفيد المغترب في تحقيق معادلة بالنسبة للنقد الأجنبي؟
هنالك دول تعتمد في مواردها الأجنبية على تحويلات المغتربين، لان هذه الموارد التي يمتلكها المغتربون، إذا لم تدخل عبر القنوات الرسمية فانها ستدخل عبر القنوات غير الرسمية ،أو السعر الموازي، وستضطر مؤسساتنا الاقتصادية ،سواء في القطاع العام أو الخاص ، أن تشتري هذا الدولار من المتعاملين فيه خارجياً ،لسد الفجوة ،فحتى الآن، لازال بميزاننا في إطاره الكلي توازن أو عجز محدود ، ولكن هذا العجز المحدود، يتم بعد تعديلات ومعالجات واحتساب الأموال الخاصة بالسودان ،والتي تم تداولها بالخارج وصبت مرة أخرى في الاقتصاد السوداني ..

{ما الذي نحتاجه لمعالجة الاقتصاد؟
في تقديري، نحن نحتاج لسياسة قوية تساعد على انسياب الموارد الأجنبية داخل الاقتصاد السوداني ،وهنا لابد لي من الإشارة إلى المذكرة التي قيل إنه رفعها اتحاد المصارف السوداني ، متحدثاً عن الإشكال الذي قابل القطاع المصرفي في سياسات سعر الصرف..

{أين دور البلاد في جذب الاستثمارات الخارجية ؟
الاستثمار الخارجي لم يدخل ،في ظل عدم وضوح الرؤية في إدخال الموارد الأجنبية ، وتحويلها من عوائد إلى إرباح. ولذلك في ظل عدم وضوح الرؤية ، سيظل تدفق الاستثمار الخارجي ضعيفا ..ونحن ،حقيقة ، نحتاج لخطوات إجرائية قوية في هذا الجانب.


رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الوطني البروفيسور “أحمد المجذوب” في إفادات لـ(المجهر) (2-2)

* حتى الآن.. لا توجد خطوات واضحة لتقليل الإنفاق الحكومي…
* نحن نعالج التضخم بمدخل نقدي.. لذلك لن ينخفض
* نحتاج لتحسين وضعنا السياسي بما يساعدنا على تجاوز مشكلة الدين الخارجي
* أنا من أنصار استمرار مادة (يبقى لحين السداد) لحماية المعاملات المالية وتحقيق العدل
يمكن أن نضيف (25) مليون دولار حال استطعنا جذب تحويلات المغتربين

قال رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان، بروفيسور “أحمد المجذوب” إن وزارة المالية مازالت تعمل على معالجة التضخم عبر المدخل النقدي، في حين أن المعالجة يجب أن تتم عبر زيادة الإنتاج، مما يترتب عليه عدم انخفاض معدل التضخم. وكشف عن إمكانية تحصيل مبلغ (25) مليون دولار شهرياً من تحويلات المغتربين، إذا حول كل مغترب مبلغ (100) دولار شهرياً، أسوة ببعض الدول التي تعتمد على زيادة عملتها الأجنبية من تحويلات أبنائها. جاء ذلك في الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته معه (المجهر) بشأن الأوضاع الاقتصادية بالبلاد وكيفية معالجة مشكلاتها.


{ في تقديركم.. ما هي الطرق الكفيلة بمعالجة ارتفاع التضخم؟
– نحن حتى الآن نعالج التضخم بمدخل نقدي، والتضخم ظاهرة تدخل فيها العناصر المالية والنقدية، وبالتالي فإن استخدام الأدوات النقدية فقط، بتغيير عرض النقود، واستخدام سياسات تمويلية ونقدية تقليدية، مثلاً رفع الرسوم عن بعض السلع ومنع بعضها، هذه كلها معالجات نقدية. وأي شخص يقرأ ويحلل، لابد أن يكون قد لاحظ في سنة من السنوات العلاقة الطردية بين زيادة النقود وزيادة التضخم، ففي وقت من الأوقات زاد عرض النقود، ولكن التضخم بقي منخفضاً، فمن المهم جداً البحث عن وسائل أخرى لمعالجة التحدي المتعلق بالقاعدة الإنتاجية وكيفية زيادة الإنتاج، حتى لو أدت هذه الزيادات للتوسع في عرض النقود أو زيادة التسهيلات.

{ كيف يتم ذلك مع التذبذب وتحريك سعر الصرف؟
– الأمر مرتبط بسياسة الدولة في تطبيق سعر الصرف الرسمي، الذي يطبق حالياً في ثلاث سلع فقط، هي (النفط والدواء والقمح)، وبقية السلع يتم استيرادها عبر سعر السوق الموازي. الآن إذا انخفضت أسعار النفط ووصلت درجة أدت إلى تعادل السعر الذي نبيع به حالياً النفط للمستهلك النهائي وأسعاره العالمية، معناها أن ادعاء وجود دعم لسلعة النفط لم يعد قائماً. الآن بدأنا وراجعنا سياساتنا في تسعير (القمح)، وتحركنا وكدنا أن نصل إلى (6) جنيهات والدواء غالباً فاتورته قليلة، وتعادل ما بين (300-400) مليون جنيه. إذا نحن فاتورتنا الكلية التي تتمثل في سلع الاستيراد في حدود (9-11) مليار جنيه، فإن ما تبقى منها الآن سلعتان فقط هما الدواء والقمح في حدود واحدة.

{ بعض دول الجوار اعتمدت على مدخرات أبنائها بالخارج في زيادة حصيلتها من العملات الصعبة.. هل يمكن الاستفادة من عائدات المغتربين؟
– في آخر إحصاء قدمه جهاز المغتربين أكد وجود أكثر من مليون مواطن خارج السودان، بجانب (50) ألف آخرين هاجروا خلال العام الحالي للعمل بالخارج، ولو استطعنا أن نقنع ربع المليون من الموجودين بالخارج بأن يحول كل واحد منهم مبلغ (100) دولار، تكون محصلتها (25) مليون دولار. في حين أن بمقدور المغترب زيادة تحويلاته لأكثر من هذا المبلغ. وهنالك دول تعتمد اعتماداً كلياً في مواردها الأجنبية على المغتربين مثل “لبنان”، وفي مرحلة ما “اليمن” و”جمهورية مصر”، المهم في الأمر أن هذه الموارد التي يملكها المغتربون إذا لم تدخل عبر القنوات الرسمية، فإنها ستدخل عبر القنوات غير الرسمية أو السعر الموازي، وستضطر مؤسساتنا الاقتصادية سواء في القطاع العام أو الخاص، أن تشتري هذا الدولار من المتعاملين فيه خارجياً لسد الفجوة، لأن ميزاننا في إطاره الكلي، يعاني – حتى الآن – من عجز محدود، يتم بعد تعديلات ومعالجات واحتساب الأموال الخاصة بالسودان. أما الاستثمار الخارجي، في ظل عدم وضوح الرؤية في إدخال الموارد الأجنبية وتحويل عوائدها المتحققة، سيظل تدفقه ضعيفاً لذا نحن حقيقة نحتاج لخطوات إجرائية قوية في هذا الجانب باتخاذ سياسات مشجعة، فضلاً عن إجراءات تمييزية تجاه قطاع الثروة الحيوانية بمنح تصدير اللحوم مزايا وتسهيلات تمويلية وضريبية، متعلقة باستخدام العائد نفسه لهذا القطاع. وفي القطاع الزراعي يجب استقرار السياسات حتى لا يهرب المستثمرون لدول الجوار، ولابد أن ننظر لماذا يحدث هذا؟ هل المسألة متعلقة بتسعير خام الصمغ؟ هل هي متعلقة بتمويل العمليات الإنتاجية؟ هل هي متعلقة بتطوير وتحديث هذا القطاع؟ أم متعلقة ببناء شبكة للمؤسسات العاملة في قطاع الصمغ؟

{ كم حجم التمويل المخصص لزيادة الإنتاج في القطاع الزراعي والحيواني؟
– حتى الآن نحن لدينا أكبر قطاع هو القطاع الخدمي، ويتراوح حجم التمويل فيه بين (42 – 44) مليون جنيه، والقطاع الزراعي بين (31-32) مليون، والقطاع الصناعي في حدود عشرين. وهذه تعكس أيضاً إذا حللت اتجاهات التمويل وستجدها بسيطة نحو القطاع الزراعي والصناعي.

{ الناس يتحدثون عن أن انفصال دولة الجنوب سبب الأزمة الاقتصادية؟
– الآن مضى على انفصال دولة الجنوب قرابة الخمس سنوات، صحيح أن الجنوب كان شريكاً، والإيرادات الخاصة بنفط الجنوب كانت تمثل (75%) من إيرادات الميزانية، وأيضاً (75%) من إيراداتنا في النقد الأجنبي، و(50%) من إيراداتنا القومية تزيد وتنقص.. ولكن الآن تجاوزنا الحديث عن هذا الجانب، وأصبح الأثر المحمول من الجنوب على مواردنا الأجنبية، أما الأثر فيما يلي موارد الميزانية، هذا الأثر تم تجاوزه، وحدث توسع في الإيرادات الضريبية وغير النفطية، وتحسن الأداء فيها. هذه بالمناسبة (أنا أقول) إنها من النجاحات التي استطاعت أن تحققها وزارة المالية، بأنها استطاعت أن تعوض العجز الذي حدث في إيرادات البترول بإيرادات أخرى، ولكن التحدي يظل قائماً، وهو أن أثر خروج النفط ظل طاغياً، حتى الآن في القطاع الخارجي، ونحن نحتاج إلى أن نوسع صادراتنا مثلما جاء في خطاب الرئيس ونقلل وارداتنا، ونزيد من سياساتنا الجاذبة لتدفق الاستثمار الخارجي وموارد المغتربين بما يرفع من حصيلتنا في الموارد الأجنبية، ونتمكن من مقابلة المصروفات.

{ كم حجم الصادرات ثروة الحيوانية للنصف الأول من العام الحالي مقارنة بالعام السابق؟
– هنالك تحسن، ولكن حتى الآن فإن إجمالي الصادرات كلها لم يتجاوز المليار، والآن القطاع الذي أصبح لديه دور هو قطاع التعدين، ونحتاج إلى إصلاحات فعلية وقوية، بمعنى أن نتوسع في التصدير وفي الأسواق. وهنالك تحدٍ مهم جداً يواجه الاقتصاد السوداني، وهو المقاطعة الأمريكية المدعومة ببعض الدول الأوروبية، وهذه تحتاج لحراك سياسي وخارجي، ولكنها أيضاً تحتاج لحراك اقتصادي لربط الاقتصاد السوداني بدول الجوار، حتى نعوض ما فقدناه بتقوية هذه الروابط، وما فقدناه في دولة الجنوب كان يمكن تعويضه بمزيد من الصادرات للجنوب ودول الجوار. نحن محتاجون للتوسع في الخدمات التي يمكن أن نقدمها لدول الجوار مثل استخدام موانئنا من قبل هذه الدول بصورة تجعلنا نضمن أن تأتينا عوائد، كما محتاجون لحزمة سياسات تجعلنا نبحث عن بدائل لتقليل أثر الحصار الاقتصادي الأمريكي المدعوم ببعض سياسات الدول الأوربية.

{ كم حجم الديون الخارجية وأثرها على الاقتصاد وما هي الإستراتيجية الموضوعة لمعالجتها؟
– لا توجد إستراتيجية.. من وزارة المالية.. وإجمالي الديون (45) مليار دولار، وأكثر من (80%) منها متأخرات وفوائد على أصل الدين الذي لا يتجاوز (12 – 13) مليار دولار. وهنالك إستراتيجية من الدولة تشمل شقين: شق يتعلق ببناء وتطوير القدرات الخاصة بالجهات المعنية مثل وزارة المالية والبنك المركزي للتعامل مع الدين العام، وشق متعلق بالتحرك الخارجي وكيفية الاستفادة من المبادرات العالمية. والآن، خلال حضور وزير المالية لاجتماعات الصندوق النقدي والبنك الدولي طرحت هذه المسألة، وهي مرتبطة بالقضايا السياسية، ونحن محتاجون لأن نحسن وضعنا السياسي بما يساعدنا على تجاوزها.

{ بعض الجهات عابت على الدولة الاعتماد على النفط في توفير العملة الأجنبية؟
– استخدام مورد واحد ليس عيباً، ولكن العيب ألا تحسن استخدام المصدر، ويجب أن يعرف الناس أن هذا النفط دخل سنة 2006م وعملياً كان له تأثير في الموازنة، بدأ سنة 2001م واستمر حتى عام 2010م، وكل التنمية والتوسع في البنى التحتية في إنتاج الكهرباء وقطاع الخدمات الشريك الأصلي فيه هو الزيادة التي حصلت عليها الحكومة في قطاع النفط. وأنا أقول هذا الحديث لان ميزانية التنمية تضاعفت قرابة الأربعين ضعفاً ما كانت عليه في عام 2000م (23) مليار دينار، وتضاعفت إلى أكثر من (40) ضعفاً في عام (2010 و2011م)، وكل هذه انعكست في البنى التحتية المتمثلة في شبكات الكهرباء، التي غطت مختلف بقاع السودان والطرق والجسور والمطارات والمعابر. وأنا أقول إن النفط وخلال الفترة التي كان يتدفق فيها، كانت له مشاركات واسعة جداً، ويمكننا القول إننا لم نرجع إلى محطتنا قبل النفط، ولكن رجعنا إلى محطة أفضل من محطة النفط.

{ البرلمان السابق لم يجز تعديل سعر الصرف بالنسبة لاستيراد القمح.. مع ذلك حركت وزارة المالية دولار القمح؟
– أول شيء البرلمان الذي أجاز ميزانية 2015م هو غير هذا البرلمان، ثانياً لم يحدث إلغاء للدعم، وإنما حدث تغيير في سعر الصرف فيما يلي الناس المتعاملين في استيراد السلعة، يعني سعر السلعة لم يتغير، وهذا يرجع إلى مراجعة وتدبير من الحكومة في الكميات المستوردة بالأسعار العالمية التي تستورد منها عبر آلية الاستيراد نفسها، وبالتالي وبمراجعة لأسعار الدقيق الجاهز المستورد مقارنة بالدقيق المصنع محلياً، بدأت الدولة تحرك سعر الصرف من (2.9) إلى (6) الآن. هناك ارتفاع في أسعار السلع الأخرى التي لا تخضع لسعر الصرف، ومتى ما ارتفع سعر الصرف هي ترتفع.

{ ولكن المالية رفعت سعر صرف القمح؟
– هنالك عاملان ساعدا في ذلك، العامل الأول هو أن سعر القمح عالمياً انخفض، الثاني كان هنالك جزء من استخدامات القمح، تذهب إلى غير الخبز، وهذه أيضاً أخرجت.. بوجود العاملين فإن السعر الذي تم تحريكه لا تأثير له على الشركات، والدليل على ذلك المنافسة التي شهدتها العطاءات والشركات التي فازت واستحقت أن تستورد.

{ نفس الشركات هي التي رست عليها العطاءات؟
– نعم توزعت الحصة وهذا يعني في ظل هذه المعطيات، فإن هذه الشركات رابحة.
{ تحدث الرئيس عن محاربة الفساد.. كيف تتم محاربة الفساد عملياً لاسيما أنتم جهة رقابية وتشريعية؟
– طبعاً.. للحديث عن الفساد جزءان.. جزء من الحديث سياسي وجزء منه حديث حقيقي، لكن أهم ما يميز السنوات الماضية، أن هنالك خطوات قوية جداً اتخذتها الدولة في محاربة الفساد على رأسها برنامج الإصلاح المالي والإداري الذي تبنته الدولة. والبرنامج الخاص بالتحصيل باستخدام التحصيل الالكتروني، وهو يلغي وساطة الأوراق في تحصيل نقود الدولة.. ثالثاً.. الآن هنالك مشروع لتأسيس مفوضية لمكافحة الفساد، وهذه المفوضية توسع تعريف الفساد فيها حتى تجنيب الأموال وهدرها يعتبر فساداً.. رابعاً: توسعت الجهات الخاضعة لهذه المفوضية. الآن كل الأجهزة الحكومية والشركات، حتى التي تشاركت فيها الحكومة أصبحت خاضعة لهذه المفوضية، أضف لذلك جاءت بسلطات أوسع في الكشف واتخاذ الإجراءات العقابية.

{ كثر الحديث عن خفض الإنفاق الحكومي.. ولكن دون جدوى؟
– ما يقال عن اتجاه الدولة لتقليل الإنفاق فيما يلي الدولاب الحكومي حتى الآن، لا توجد خطوات واضحة فيه، خاصة نحن نتحدث عن الحكم الفدرالي ونتوسع فيه، وهو سبب من أسباب زيادة الإنفاق. وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن تخفيض الإنفاق الحكومي الإداري، نزيد عدد مؤسسات الحكم الفدرالي، لكن تأتي المفاضلة بين تلبية الرغبات السياسية للجهات والمناطق وبين تقليل النفقات. أنا في تقديري نحن نحتاج لوقفة، وهذه الوقفة قررتها الدولة، والآن كونت لجنة برئاسة نائب الرئيس، وهدف هذه اللجنة هو مراجعة الحكم الفدرالي من كافة نواحيه، تشريعاته ونظمه ومؤسساته، وأي توصيات متعلقة بتخفيض مؤسسات الحكم الفيدرالي من شأنها أن تخفض النفقات الحكومية.. ولأننا دولة متوسعة في الخدمات، خاصة على المستوى الولائي ما زالت خدمات التعليم الصحة تمثل (80%) من إنفاق الولايات، وبالتالي الولايات لا يكون في مقدورها أن تخفض الإنفاق الخاص. والآن الدولة مهددة بمهددات أمنية ومخاطر، ويظل الإنفاق العسكري إن لم ينخفض سيكون في نفس الحدود، ولكننا في ظل الحوار الذي يجري الآن نأمل أن تكون خاتمة هذا الحوار وضع كل البنادق وإعلاء راية السلام، وبعد ذلك كل ما هو مخصص للحرب سيتجه نحو تطوير وترقية الخدمات.

{ الميزانية الجديدة متى تصل للبرلمان؟
– والله مفترض تصل قبل شهر (12) تصل إلى المجلس بحسب القانون قبل (30) يوماً يجب أن تكون في البرلمان.. لكن الآن هنالك ترتيبات متوقعة في أواخر شهر نوفمبر أو أوائل ديسمبر أن تصل البرلمان.

{ ما هي مؤشراتها الأولية؟
– أنا في رأيي أن أهم ما فيها هو التأكيد على مسائل الإصلاح الاقتصادي والمالي، ومحاولة تجاوز العقبات التي تقابل البرنامج الخماسي في العام الأول، ومحاولة التركيز على القضايا التي أشار إليها الرئيس في تخفيض الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات وزيادة الصادرات، وترشيد الواردات، وتطوير القطاع الصناعي والزراعي والقطاع الحيواني.

{ الرئيس قال إن هنالك (66) قانوناً سيتم تعديلها؟
– هذه القوانين حولت للنائب العام ولم تصل إلى المجلس حتى الآن، لكن من بين القوانين التي ستأتي للمجلس قانون مفوضية مكافحة الفساد، وأتوقع كذلك القوانين الخاصة بالجوانب المالية، إذا احتاج التحصيل الإلكتروني بعض التعديلات. وفي تقديرنا أن هنالك قوانين أخرى مثل القوانين الخاصة بـ(البوت سستم) والبناء والتشديد، ونقل الملكية محتاجة لمراجعة وتأسيس قوانين خاصة بها. والقوانين الخاصة بشراكات القطاع العام والخاص بصورة تحفظ العلاقات وتحدد المسؤوليات بين الحكومة وشريكها في القطاع الخاص، وهذه كلها تحتاج لمراجعة البنية التحتية.

{ هل تشتمل تعديلات القوانين إعادة النظر في مادة (يبقى لحين السداد)؟
– أنا من أنصار (يبقى لحين السداد)، من أجل حماية المعاملات المالية، ولتحقيق العدل ينبغي أن يستمر حبس الشخص الذي يحرر شيكاً من غير رصيد لأنه في تقديري إذا اختلت الثقة في وسائل الدفع سيختل الاقتصاد.

{ أهم القوانين التي تلي لجنتكم؟
– واحد منها في تقديري يتعلق بانسياب المعلومات، وتداخل الاختصاصات، ونحن كلجنة مالية واقتصادية، نجد أنفسنا ندخل في معظم أداء اللجان الأخرى، ونحاول معالجة هذه المشكلة.

حوار – وليد النور- المجهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق