الخميس، 17 مارس 2016

بلاغ عاجل للنائب العام ضد مدير شرطة وادمدني


سيف الدولة حمدناالله

يفهم المرء حالة الغضب والثورة التي دفعت بكثير من المواطنين للمطالبة - عبر وسائط الشبكة العنكبوتية - بإعدام الشخص الذي ذُكِر بأنه قد إغتصب فتاة صغيرة بمدينة وادمدني قبل ثبوت التهمة عليه أمام محكمة، فالغضب الشعبي ينصرِف لرفض مثل هذا الفعل الشنيع دون النظر للقواعد المهنية في معالجته، وليس عندي شك في أن هؤلاء الغاضبين لو أنهم أمسكوا برقبة المتهم في هذه القضية لمزقوا جثته وعلقوها في ميدان عام، قبل أن يكتشفوا بعد ذلك أن ما وقع على الطفلة الضحية لم يكن إغتصاب، وأن ما فعله المتهم بها – بحسب بيان أسرة الطفلة الضحية – أنه حاول إختطافها بواسطة "ركشة" قبل أن يتصدى له المواطنون وهروبه من موقع الحادث، وأن الطفلة بخير ولم تتعرض لأي أذى، وأن البلاغ لا يزال قيد التحري وجمع المعلومات.

يفهم المرء هذا الحِنق الشعبي وتفاعله عند سماعه خبر جريمة بهذا المستوى، وإبداء رغبته في القصاص من الجاني حتى تهدأ الخواطر، ولكن، ما الذي يجعل سلطات شرطة وادمدني تقرر ثبوت الجريمة على المتهم بمثل هذه الثقة حتى تُنظّم له زفّة وتطوف به على أحياء المدينة بعربة مكشوفة يتبعها موكب سيارات على ظهرها جنود يحملون بنادق آلية وهم يُهلّلون ويرفعون أيديهم بعلامة النصر، فقد أدانت الشرطة المتهم حتى قبل أن تسمع أقواله، فقد تلقّفت المتهم بهذا العرض العسكري بمجرد وصوله لمشارف مدينة وادمدني بعد القبض عليه بالقضارف وقبل أن تقوم بالتحري معه وعرضه على النيابة ومواجهته بأقوال الشهود والتحقق من أنه الشخص المقصود.

هذا فصل جديد يؤكد الحال الذي وصل إليه تدنّي مستوى كبار ضباط الشرطة وجهلهم بأبجديات القانون، ومن واجب النائب العام أن يقوم بالتحقيق مع الضباط الذين كانوا وراء تنظيم هذه المهذلة وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التأثير على سير العدالة، فلا أعرف وقائع تنطبق عليها عناصر هذه المادة في القانون مثل ما حدث في شأن هذه القضية، وبما يُعرّض هذا المتهم لظروف محاكمة غير طبيعية وعادلة، فقديماً قيل بأن “كثيراً من القضاة ظلموا لكي لا يُقال أنهم لم يعدلوا”.

ما بال هذه الدولة تفرد عضلاتها على رجل من العوام بمثل هذا الفعل الطائش وتستقوي عليه وهي تترك الخواص يفلتون من جرائم في ذات الخطورة وأفدح!! ما الفرق بين جريمة هذا الرجل (بفرض ثبوتها عليه) وما فعله شيخ بفتاة جامعية إغتصبها بعد أن وضع لها مادة مخدرة وحوكم بعشر سنوات قبل أن يحصل على عفو رئاسي !! ولماذا لم تنشط الشرطة بمثل هذا الحماس في قضية لم تر النور التي إرتكبها فحل ضُبط في نهار رمضان وفي مضجعه ثلاث فتيات يافعات !!

كيف تُريد وزيرة الدولة بالنائب العام (تورالدبة) وهي تجوب مع وفودها أركان الكون لتُقنِع العالم بأنه لا توجد إنتهاكات لحقوق الإنسان في السودان، وسلطات الدولة الرسمية تعرض مثل هذا الإنتهاك المُريع على قارعة الطريق وتستطيع أي جهة معنية أن تتوصل إليه بنقرة أصبع على أي موقع بشبكة الإنتنت !! وما الذي يُمكن أن تقوله هذه الوفود في الدفاع عن حقوق الإنسان في السودان، وأول قاعدة ذهبية في هذا الشأن تقول بأن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته، وأنه لا يجوز تعريض المعتقل للضرب أو التعذيب أو معاملته بطريقة غير لائقة !!

نحن مقبلون على إنحدار الدولة إلى عالم طالبان، وليس في مصلحة أحد (لا النظام ولا الشعب) أن يُستثار الحنق الشعبي بمثل هذه الطريقة التي تؤدي إلى غياب القانون وتنتهي بإنفلات تصعب السيطرة عليه في يوم من الأيام.

سيف الدولة حمدناالله
saifuldawlah@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق