الأحد، 14 يونيو 2015

في ذكرى عالم بيئي سوداني



محمد أحمد الفيلابي
"كلما تزايدت حركة الناس والسيارات، كلما زادت الضغوط على بيئة معزولة وغنية، سواء بواسطة أهلها الأصليين أو العابرين أو الوافدين لأغراض سياحية من هواة السفر والصيد". انشغل البروفسور مهدي بشير في آخر أيامه بالكتابة حول عدد من الشؤون البيئية السودانية، ونشر على مدى ست سنوات جزءاً منها في صحيفة الأيام السودانية في زاويته الأسبوعية "إيكوس"، مستعرضاً عدداً من الدراسات والشهادات والوثائق ومتناولاً بالتحليل قضايا التصحّر وقضايا المناخ (من لومو إلى كوتونو). وقد أرّخ لهيئة البحوث الزراعية بوصفه أحد دهاقنتها، وكذلك لتنمية مياه النيل في القرن العشرين، فيما حلل وثائق عديدة حول مشروع الجزيرة. وكتب أيضاً عن تداخلات البيئة والسياسة، من خلال تحليل الموارد الطبيعية في بروتوكولات نيفاشا وما بعد اتفاقية السلام والمديونية البيئية. من جهة أخرى، تناول الأمن الغذائي وقضايا المحاصيل المحوّرة جينياً، وتركيبة المحاصيل من منظور بيئي وغيرها. هو جهد كبير كان حرياً بالممسكين بزمام الأمور في هيئات ومؤسسات البيئة السودانية، جمعه ونشره تخليداً لذكرى هذا العالم الفذّ، وتوفيراً لمادة دسمة قلّ أن يجد الباحثون نظيراً لها. إلى ذلك، لخّص بشير أبرز الصدمات التي تلقاها النسيج الاجتماعي في السودان في السياسات الاقتصادية، والتخطيط التنموي، وكفاءة الأداء، والإنتاج المتواضع الذي أورث السودان ديوناً باهظة سوف يستهلك سدادها جزءاً كبيراً من موارده. فالسودان كما ذكر بشير يصنّف كإحدى دول مجموعة الدول الأكثر فقراً والأكثر مديونية. وهو أكّد على أن تفكيرنا التنموي ما زال يقوم على فلسفة المشاريع الكبرى ولم نتّجه بعد إلى المنتج الصغير في أي من قطاعات الإنتاج، بالإضافة إلى الانحسار الكبير في البحث العلمي الزراعي وبحوث الثروة الحيوانية وإنتاج التقنيات الزراعية بسبب ضعف الدعم الحكومي. وقد أورد في إحدى دراساته أن ما يصرف على هذه المجالات مجتمعة لا يتعدى 17 سنتاً مقابل كل مائة دولار أميركي من عائد الصادرات من السلع التي يدعم البحث العلمي إنتاجها. ويشير إلى أزمة المعلومات المستفحلة. ولعلّ أبرز ما تناوله الباحث الراحل، هو ما اعترى الخدمة المدنية من إعمال للسياسيين لسكاكينهم بتراً وتقطيعاً وتشويهاً، إلى جانب الهجرات المتواترة للعقول وللشباب الواعد، ما أفقد البلاد نسبة كبيرة من الكفاءات القادرة على التخطيط والتنفيذ والتعامل مع العالم ومستجداته.
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق