الأحد، 14 يونيو 2015

عطش في حارة الأنهار!

هاشم كرار

نيلان- أبيض وأزرق- ونهر نيل، يجري بالتقاء النيلين، إلى مصر، ورغم كل ذلك، تعاني الخرطوم من العطش!

ذلك سبب كاف لجز رؤوس كبيرة، في الجهات المعنية بإمدادات المياه في العاصمة السودانية.. بل ذلك سبب كاف، لاستقالة الحكومة بأكملها.

مشكلة إمدادات المياه في الخرطوم، ليست مشكلة اليوم. إنها مشكلة سنوات.. وهى تتفاقم يوما من بعد يوم، لكن لا أحد يتحرك، إلا الذين نشفت حلاقيمهم، وخرجوا- كما نشاهد الآن- يملؤون تلك الحلاقيم بالهتافات، وتمتلئ بالتالي رئاتهم بالغاز المسيّل للدموع، ويدوش مسامعهم الرصاص الذي يصيب، أحيانا!

المواطن، لا يملك إلا حلقومه.. والمطالب مشروعة، فلماذا تحاول السلطات في الخرطوم، إخراس الهتاف الذي يطالب بحق ضُيّع، بالتقصير الوظيفي، واللامبالاة.

تفاقم مشكلة المياه، يكشف عن سوء بالغ في التدبير، وسوء في ترتيب ما يعرف بالأولويات.. ومن الأولويات إمداد المياه إلى كل منزل- وبصورة لا تعرف الانقطاع- قبل تشييد قصر رئاسي ثان، وبناء منتجع رئاسي، وقبل الصرف البذخي في الانتخابات، وحفل التنصيب الرئاسي.. وقبل الإمضاء على فاتورة مستحقات الدستوريين والنواب، وأعدادهم في السودان تفوق أعدادهم في أعظم دولة في العصر الحديث!

ترتيب الأوليات، هو ما ينهض بالدولة- أي دولة- ويحاصر الأزمات قبل أن تقع الفأس على الرأس، ويجنب الحكومات والأنظمة- بالتالي- السخط العام، ويعفيها عن حشد الأجهزة الأمنية وفاتورة استهلاك الغاز المسيّل للدموع، والرصاص القاتل، وفاتورة استمرار(الاستاند باي).. وفاتورة تنظيف الشوارع من مخلفات التعبير عن الغضب!

صحيح، أن العاصمة السودانية بالهجرات الكثيفة من الريف، أصبحت مكتظة، وهذا ما أثر على الخدمات، لكن ماهو أصح أنه كان لزاما- وقد عجزت الحكومة عن وقف هذه الهجرات بتنمية الريف- أن تتحسب بالتخطيط الخدمي السليم، لكل الامتدادات السكانية الجديدة: وأولى الخدمات بالطبع: إمدادات المياه والكهرباء.

هذه الامتدادات السكانية- التي لم تصاحبها حصتها من الخدمات أثرت بالطبع، على «حصة» الخدمات التي كانت وقفا على الخرطوم القديمة، وهكذا كانت قطوعات المياه والكهرباء، حتى في وسط العاصمة السودانية!

مرة أخرى.. من الماء، جعل الرب كل شيء حي..

والخرطوم، في الشح الخطير للمياه، تبدو مدينة ميتة إلا من السخط، والحلاقيم التي تتعبأ بالغضب العام.. وستظل مدينة- هكذا- خاصة في شهر رمضان الذي يصادف هذا العام صيفا حارا جدا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق