الجمعة، 5 يونيو 2015

الألعاب الشعبيّة السودانيّة



"الفات الفات في ديله سبع لفات"، "شليل وينو أكلو الدودو"، تلك عبارات عادة ما كانت تصاحب إحدى الألعاب الشعبية التي مارسها أطفال السودان وتوارثوها عبر الأجيال، لتبدأ أخيراً في الاختفاء التدريجي مع ظهور الألعاب الإلكترونية الحديثة، فضلاً عن فضائيات الأطفال. تقوم الألعاب الشعبية في السودان على أساس جماعي، ويندر أن تجد لعبة أساسها فرد، لتكون هذه الألعاب مساهمة منذ وقت مبكر في غرس قيم التكافل والتراحم والتآلف وسط الأطفال. وتقام هذه الألعاب عادة في الشوارع، ويشترك فيها أبناء الحي الواحد بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية، لتنتج عن ذلك صداقات تمتد إلى ما بعد مرحلة الشباب. يمثل اللعب أهم الاحتياجات الضرورية لعملية الإشباع النفسي والاجتماعي، ومن خلاله يكتسب الطفل المهارات والقدرات، وعبره تُغرس روح التنافس والثقة بالنفس والشجاعة والتعاون. ويمتلك السودانيون موروثاً شعبياً ضخماً من ألعاب الأطفال التي تتنوع من منطقة إلى أخرى ولكنها تجتمع حول شرط واحد وهو اللعب الجماعي، فنجد هناك ألعاباً شعبية يشترك فيها الفتيان والفتيات معاً، وأخرى متصلة فقط بكل فئة. فهناك لعبة تُعرف بـ"شليل وينو"، و"شليل"، في الأصل عبارة عن عظم وهو أساس اللعبة، ويشارك فيها أكثر من خمسة أشخاص يجلسون على الأرض في شكل حلقة ويأخذ أحدهم العظمة بيده ويبدأ في الطواف حول الحلقة وهو يردد بشكل لحني: "شليل وينو"، فترد المجموعة: "أكلو الدودو"، وهكذا إلى آخر النص. ويكون تركيز المجموعة على العظمة التي بيد الطائف لأنه بنهاية الأغنية سيقوم برميها أو إخفائها لتعمد المجموعة للبحث عنها، ومن يجدها يكون الفائز ويكرر اللعبة ذاتها، وهي لعبة تعمل على تنمية التركيز لدى الأطفال. وإلى جانب "شليل"، توجد ألعاب أخرى "كأم الحفر" و"اريكاء عمياء" و"نط الحبل "، "والدجاجة العمشا". ويرى خبراء الاجتماع أن للألعاب تأثيراً خطيراً على نمو الطفل وذكائه وقدراته الإبداعية وسلوكه، ما يستوجب الاهتمام بها وتطويرها لخلق التوازن النفسي داخل الطفل ووقف الاستلاب الثقافي لتأثيراتها في المستقبل على الطفل والمجتمع ككل. تقول فاطمة، (ربة منزل): "عندما كنا أطفالاً، كنا نصنع كل شيء يدوياً، حتى العرائس (الدمى) نصنعها من قطع القماش والقطن، فضلاً عن السيارات التي تصنع من علب الصلصة والسجائر". وتضيف: "كما كنا نقضي اليوم بطوله في اللعب مع أطفال الجيران في الشارع "كرة شراب" وغيرها من الألعاب الشعبية ونحس معها بمتعة فائقة". وتتابع: "الآن الوضع اختلف تماماً ونادراً ما تسمح الأسر لأطفالها باللعب في الشارع خوفاً من الممارسات الدخيلة على المجتمع السوداني، كالتحرش واغتصاب الأطفال". وتردف: "تحرص كل أسرة على أن تجلب اللعب من الأسواق لأطفالها ليلعبوا بمفردهم داخل المنزل أو يقضى جل وقته في مشاهدة برامج الأطفال في الفضائيات". أخيراً، حلّت الألعاب الحديثة محل الألعاب الشعبية وانشغل الأطفال بـ"البلاي ستايشن" وسواها، إضافة إلى متابعة القنوات الفضائية وترديد ما يبث فيها بشكل أنساهم الثقافة المحلية، وجعل من الأطفال شخصيات انطوائية ومنغلقة. وتقول الباحثة الاجتماعية، نسرين محمد، لـ"العربي الجديد": "الألعاب الشعبية عادة ما تتميّز بطابع يقوم على المساواة ولا يُشعِر الأطفال بالدونية، إذ إنه متاح لكل الأطفال لعبها وبدرجة واحدة، بخلاف الألعاب الحديثة التي يرتبط اقتناؤها بمدى مقدرة أسرة الطفل المالية، كما أن من شأنها أن تؤثر على نفسية الأطفال الآخرين". وتضيف: "في الألعاب الشعبية نوع من المودة والتآلف بين أبناء الحي الواحد، كما تمتاز بالطابع الاجتماعي ولا تقوم على الفردية التي من شأنها أن تغذي الانطوائية والعدائية لدى الطفل". وشددت على أهمية تطوير تلك الألعاب الشعبية حتى تستمر. وتوضح: "بعض الألعاب الحديثة والفضائيات تجعل الطفل يعيش في العالم الافتراضي، كما أنها ترتبط بثقافة بعيدة عن ثقافة السودانيين، ما يكون لها تأثير سالب على المجتمع، وتزيد من معدلات الهجرة بحثاً عن ذاك العالم الذي تشكَّل في مخيّلة ذاك الطفل". وتضيف: "كما أن لها علاقة بتنمية العنف، وخصوصاً أن أغلبها قائم على الضرب والقتل"
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق