الجمعة، 10 يوليو 2015

الصراع على السلطة يلقي بظلال قاتمة على مستقبل جنوب السودان


جوبا ـ من سينيكا تارفانين:

 توحي الشوارع المزدحمة في عاصمة جنوب السودان جوبا، حيث تشق الدراجات النارية التي تعمل كسيارات أجرة طريقها بصعوبة وسط حركة المرور الكثيفة وتعمل الشركات الصغيرة في أكواخ، بإشارات ظاهرية قليلة على المحنة الاقتصادية التي خلفها الصراع العسكري المحتدم في البلاد.
يقول الخبير الاقتصادي لوكا بيونج دينغ من جامعة جوبا إن الصراع الدائر على السلطة منذ 18 شهرا بين الرئيس سلفا كير وزعيم المتمردين ريك مشار تسبب فى تكاليف ضخمة بالنسبة لأحدث دولة في أفريقيا والتي يمكن ان يصاب نموها البازغ بانتكاسة تؤخره لعشرات السنين.
وأدى الصراع على السلطة الذي أودى بحياة عشرات الآلاف إلى خفض انتاج النفط في واحدة من أكثر الدول التي تعتمد على النفط في العالم، حيث يوجد فيها ثالث اكبر احتياطي للنفط في افريقيا بعد نيجيريا وأنغولا ويمثل ما نسبته 95 المئة من الإيرادات الحكومية، وفقا للبنك الإفريقي للتنمية. وبعد انفصال جنوب السودان عن شماله في عام 2011، حصل على 75 في المئة من احتياطيات نفط السودان قبل الانفصال، وهو الأمر الذي قدم لواحدة من مناطق العالم الأقل نموا فرصة للهروب من براثن الفقر.
لكن القتال بين الجيش والمتمردين للسيطرة على حقول النفط بشمالي البلاد خفض إنتاج النفط بمقدار الثلث ليصل إلى 165 ألف برميل يوميا في أيار/مايو، وفقا لأرقام رسمية. ويقدر دنغ الرقم الحقيقي بــ 150 ألف برميل يوميا.
وفضلا عن الحاق اضرار بآبار النفط، التي تديرها اتحادات تعد شركة البترول الوطنية الصينية مساهما كبيرا فى العديد منها، فانها تفتقر إلى إلى قطع الغيار اللازمة لمواصلة عملها، كماتم إجلاء موظفين صينيين أيضا.
وبالإضافة إلى القتال، فقد تعرض إنتاج النفط في جنوب السودان لضربة بسبب انخفاض أسعار النفط، وساهم نقص الدولارات الناجم عن ذلك في خفض قيمة الجنيه في جنوب السودان لنصف قيمته في السوق السوداء في ستة أشهر.
كما ادى ارتفاع التضخم – 4ر38 في المئة في أيار/مايو – إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق أو زيت الطعام لدرجة جعلت كثيرا من سكان العاصمة جوبا غير قادرين على شرائها. وتضاعف سعر زجاجة مياه الشرب – التي تعد شيئا أساسيا في المدينة التي بها عدد قليل من السكان ممن يمكنهم الحصول على مياه الصنبور – في غضون أشهر قليلة، مما دفع السكان للشكوى.
وقال صحافي محلي «بعض السكان يعيشون على الشاي والموز طوال اليوم. والأطفال يتسولون لأن آباءهم لم يعودوا قادرين على إطعامهم».
وتشهد المناطق المتضررة من القتال أزمة غذاء طاحنة، حيث يعجز الفلاحون عن القيام بانشطتهم الزراعية، بينما يفر الآلاف منهم إلى البرية. وتقول الامم المتحدة إن 6ر4 مواطن من جنوب السودان – من مجموع السكان البالغ عددهم حوالي 11 مليون نسمة – قد يواجهون مجاعة. ولا تمتلك جنوب السودان المستقلة حديثا الكثير لتبدأ به، فمعدل الإلمام بالقراءة والكتابة يصل إلى 27 في المئة فقط، ومعظم الرعاية الصحية تقدم من خلال منظمات إغاثة ومعدل اطوال الطرق بالنسبة لمساحة البلاد يعد واحدا من أدنى المعدلات في أفريقيا.
وكانت السلطات قد بدأت في اتخاذ اجراءات لتحسين الخدمات الأساسية، عندما أجبرها قرار اتخذ في كانون ثان/يناير 2012 بوقف إنتاج النفط على خفض الإنفاق.
وظل إنتاج النفط منخفضا لمدة 15 شهرا بسبب خلاف حول رسوم النقل مع السودان (الشمالي)التي تفرض رسوم على جارتها الجنوبية كي تنقل نفط الأخيرة عبر خطوط أنابيب إلى البحر الأحمر.
وتسبب الفساد المستشري فى تقويض جهود التنمية، حيث قال كير في عام 2012 إن 75 مسؤولا حاليا أو سابقا نهبوا 4 مليارات دولار من أموال الحكومة.
وفي عام 2014، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1127 دولارا مقارنة بــ 54597 دولارا في الولايات المتحدة، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وتوقع البنك الإفريقي للتنمية أن يؤدي استئناف إنتاج النفط في عام 2013 إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40 في المئة بحلول نهاية حزيران/يونيو 2014، لكن الصراع العسكري بدد هذه الآمال.
وقال المتحدث باسم الرئاسة أتيني ويك أتيني «تم هدم بلدات بأكملها وتسوينها بالأرض – مدارس ومستشفيات ومبان إدارية».
وينفق جنوب السودان أكثر من 40 في المئة من ميزانيته على الجيش، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).
وقال «عندما نحقق السلام، يمكن أن يكون لجنوب السودان مستقبل باهر».
وبالنسبة للمراقبين الذين يسيرون في شوارع جوبا غير المعبدة التي تصطف على جوانبها الأكواخ، وتخترقها الشاحنات العسكرية، يبدو هذا المستقبل وكأنه ضرب من الخيال. ومع ذلك فإنه لا تزال هناك إمكانية لتحويل الخيال إلى حقيقة. ويشدد الخبراء على ضرورة تنويع النشاط الاقتصادي وعدم الاقتصار على النفط، حيث من المتوقع أن تصبح احتياطاته، بحسب البنك الدولي – ضئيلة بحلول عام.2035
يذكر ان ما يقرب من 80 في المئة من مواطني جنوب السودان مزارعون صغار. إلا ان نحو 4 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة والمستخدمة فعليا في البلد تقع بالكامل تقريبا في حوض النيل الخصب، مما يفتح المجال امام تطوير رقعة زراعية واسعة النطاق، وفقا لدينج وغيره من الخبراء.
وقال الخبير الاقتصادي إن بإمكان جنوب السودان أيضا تطوير مصائد الأسماك والسياحة في محميات الحياة البرية.
وأضاف «هناك شيء واحد فقط مفقود – السلام».

 (الأناضول)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق