السبت، 3 أكتوبر 2015

سد النهضة .. بقلم: م.م / آدم أبكر بشير



لقد طفا سد النهضة  مرة أخرى علي السطح , ففي ندوة بدار المهندس بتاريخ 5/9/2015م عن السد لم احظ  بحضورها و لكن قرأت عنها في جريدة التيار بتاريخ 6/9/2015م (مقال لعلي ميرغني) و كذلك بجريدة الانتباهة بتاريخ 7/9/2015م (مقال لرانيا عباس) عن ندوة لذات الموضوع أقيمت بجامعة أم درمان الإسلامية .

استوقفني في المقالين حديث د. عثمان التوم حمد حسب المقال عن السد و حجز المياه السنوي فيه الذي يساوى 10 مليار متر مكعب كما ورد بالتيار و فوائد السد في الزراعة و التوليد المائي بخزاني الروصيرص و مروي (زيادة في التوليد بنسبة 46% و 7% علي التوالي) و كذلك تعرض لفيضان هذا العام و تدنيه و انخفاض التوليد في الفترة فبراير- ابريل من العام القادم.

أرجو أن أورد التعليق الآتي علي هذا الحديث:

1- إن الحديث عن أن السد (سد النهضة) يحجز سنوياً فقط 10 مليار متر مكعب من إيراد النهر البالغ 48 مليار إن كانت هذه المعلومة وردت بالجريدة دون أي خطأ مطبعي فان ذلك يدعو للدهشة , فمما طرح من قبل معلوم أن السد بسعة 74 مليار و هذا يشمل التخزين الميت و التخزين الحي , فإذا كان السد يحجز فقط 10 مليار سنوياً حسب المقال بجريدة التيار و هو ضمنياً التخزين الحي  هذا يعنى أن التخزين الميت 64 مليار ... السؤال الذي يطرح نفسه لماذا سد بسعة 74 مليار لحجز 10 مليار فقط و يبقى 64 مليار على الدوام حمولة علي جسم السد؟ يبدو أن هناك اضطراب كبير في المعلومات الخاصة بهذا السد.

2- فيما يتعلق بالزراعة و زيادة التوليد, ذكر المقال أن قيام سد النهضة سيزيد المياه لري العروة الشتوية بالشمالية ... نحن و بحكم المهنة نعلم أن العروة الشتوية بالشمالية والاحتياجات المائية للولاية الشمالية و نهر النيل تغطى من النيل الأبيض ذو التصريف المستقر فالنيل الأبيض يغذى النيل الرئيسي في هذه الفترة الشتوية بحوالي 70 مليون متر مكعب في اليوم و هو كافي للعروة الشتوية بالشمالية. إن الزراعة في السودان ليست شتوية فقط بل إن المساحات الشتوية تساوى نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالمساحات الصيفية, فان تحسنت كميات المياه للشتوي بالمقابل نجد أن الزراعة الصيفية تتضرر تضرراً بليغاً جراء قيام هذا السد , فالزراعة في الشمالية و بقية المشاريع ( الجزيرة , الرهد , السوكى , الطلمبات علي النيل الأزرق و النيل الرئيسي , الجروف و المترات) في العروة الصيفية كلها تعتمد على مياه النيل الأزرق . هذه المساحات في مجملها تمثل هيكل الزراعة المروية في السودان و تفوق العروة الشتوية كثيراً من حيث المساحة و الاحتياج المائي, و أكثر حساسية في التأسيس بمياه الفيضان علواً و انخفاضاً. فبقيام سد النهضة و تنظيم سريان النيل الأزرق بتصرف ثابت طوال العام كما ذكر في ندوات سابقة ( 130 – 133 ) مليون متر مكعب في اليوم فان العروة الصيفية سوف تتأثر سلباً تأثيراً بالغاً و ربما لن يكتمل تأسيس المحصول و قد لا يكتمل التخزين أيضا خاصة إن التخزين يتم خلال 45 يوم التي تبدأ أواخرأغسطس أو أوائل سبتمبر و هذه الفترة تتزامن مع تأسيس محاصيل العروة الصيفية. لاحظ توضيح ذلك في الحسابات البسيطة التالية:

- احتياجات مشروع الجزيرة في المتوسط    30  مليون متر مكعب / اليوم

- احتياجات المشاريع جنوب خزان سنار      4    مليون متر مكعب / اليوم

- الاحتياجات شمال خزان سنار حتى الخرطوم   10  مليون متر مكعب / اليوم

- جملة الاحتياج اليومي                  44  مليون متر مكعب / اليوم

- الاحتياج الكلي في 45 يوم  45X 44  =  1980 مليون متر مكعب (1.98 مليار)

- احتياجات التخزين في خزاني الروصيرص و سنار حوالي    6.20 مليار

- الاحتياج الكلي في فترة التخزين (زراعة + تخزين) = 6.2 + 1.98    = 8.18مليار

- تدفقات النهر في فترة أل 45 يوم = 45X 133      = 5.99 مليار

- العجز   8.18 – 5.99            = 2.19مليار

(العجز يفوق أل اثنين مليار متر مكعب)

بهذه الحسابات المبسطة يتضح أن هناك إشكالية في تأسيس المحصول و الملء, هذا للزراعة المروية أما بالنسبة للجروف فان فيضان هذا العام قد برهن بما لا يدع مجالاً للشك بأنه بقيام سد النهضة سنفقد معظم الجروف إن لم يكن كلها . فحسب المقال إن فيضان هذا العام متدنيو هو الأضعف منذ مائة عام , فإذا علمنا أن الإيراد اليومي لهذا الفيضان كان في المتوسط في حدود الثلاثمائة مليون متر مكعب في اليوم يزيد أو ينقص قليلاً من يوم لآخر , و هو بهذا القدر و الكمية فان المياه لم تخرج من مجرى النهر و لم تغمر أي جزء يذكر من مساحة الجروف و هذا واضح للعيان عند المرور علي الكباري بالخرطوم علي النيلين الأبيض و الأزرق و النيل الرئيسي فكيف يكون الحال عندما يعمل سد النهضة و يصبح الوارد 150 مليون متر مكعب في اليوم (حوالي نصف فيضان هذا العام).

اعتقد إن قيام سد النهضة كارثة علي الزراعة المروية في السودان.

بالنسبة للزيادة في نسبة التوليد الكهربائي فبالتأكيد إذا لم يكتمل التخزين فان تلك النسبة الواردة في مقال التيار لن تتحقق.

هذا كله في سنة مائية عادية فماذا يكون الحال عندما يكتمل السد ويباشر التشغيل و تأتى سنة ضعيفة كمثل هذا العام و ما الترتيبات التي وضعت لتلافي آثار ذلك خاصة وان اتفاق المبادئ أجاز لأثيوبيا حق ضبط و إعادة ضبط قواعد التشغيل ( اتفاق المبادئ - البند 5 , النقطتين الأخيرتين والتي تقرأ:

* الاتفاق على الخطوط الإرشادية و قواعد التشغيل السنوي لسد النهضة , و التي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر.

 * إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعى إعادة الضبط لعملية تشغيل السد). كذلك ما هي الترتيبات لتفادى آثار الملء الأول للسد.

3- إن سد النهضة عبارة عن سد واحد من أربعة سدود أثيوبية حسب الخطة و الدراسات تشيد في شكل تتابعي (Cascade) وهي كردوبى , مابل , مندايا و السد الحدودي (Boarder dam) و الأخير حسب الدراسات الأمريكية سعته لا تتعدى أل 11 مليار لاعتبارات فنية , و قد اخذ هذا السد اسم سد الألفية ثم السد اكس (X- dam) و أخيرا سد النهضة كما تحولت سعته التخزينية تبعا لذلك مراراً ليستقر في 74 مليار. أثيوبيا الآن قطعت شوطاً كبيراً في بناء السد و وثيقة اتفاق المبادئ أمنت لها إكماله بل و أعطتها حق استخدام الموارد المائية المشتركة داخل أراضيها ( اتفاق المبادئ - البند 4 و الذي يقرأ:

* سوف تستخدم الدول الثلاث مواردها المشتركة في أقاليمها باسلوب منصف و مناسب. ...إلي آخر البند ) و هذا يتطلب إنشاءات أخرى . السؤال الذي يطرح نفسه ما هو حجم المخاطر التي سوف يتعرض له السودان لو شرعت أثيوبيا في تشييد السدود  الثلاث الباقية بعد سد النهضة الذي أصبحت آثاره الكارثية تلوح في الأفق, هل من تحوطات و ما هي؟

اختم و أقول " شكراً فيضان 2015 فقد وصلت الرسالة للجميع " و أرجوان يتم استيعاب الدرس و يتدارك الأمر اليوم قبل الغد.

  و الله الموفق     م.م / آدم أبكر بشير

وكيل وزارة الري الموارد المائية السابق  

 adambshr@yahoo.com

سودانايل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق