السبت، 3 أكتوبر 2015

معاناة "الجزيرة" مع "أربع شربات"



أكثر من مئة هجروا الحرفة خوفا من خسارة يتسبب فيها العطش وأكثر من مائتي مزارع ينتظرون المطر.. وعلى الرغم من الإنتاج الضائع تظل الإدارة متمسكة بضريبة على الري قيمتها 300 جنيه تجمع قسرا ويشتكي المزارعون من طريقة تحصيلها

الجزيرة: أبو ذر علي فرحات


تتجدد معاناة مزارعي مشروع الجزيرة كل عام منذ بداية الموسم الزراعي، والسيناريو المعتاد هو تعرض زراعتهم للعطش الدائم، مما يعجل بفشل الموسم ، ويُدخل المزارعين في خسائر مالية فادحة، خاصة وأن أغلبهم ينفقون كل مدخراتهم في الأرض وفلاحتها، بينما يتجه البعض لطلب سلفيات من البنوك. هذا هو الحال بالنسبة لعدد من أصحاب الحواشات بالقسم الشرقي الذين ظلوا يشتكون من معضلة الري التي تتفاقم كل عام في بداية الموسم الزراعي؛ بدءاً من شهر يونيو إلى الحصاد في نوفمبر. ويعتمد سكان ومزارعو القسم الشرقي بمشروع الجزيرة على الزراعة المروية والتي تشمل محاصيل الفول، والذرة، والقطن، بجانب زراعة الخضروات مثل (الطماطم) وغيرها، التي تحقق الاكتفاء الذاتي، ويتم تصدير فائض الإنتاج منها إلى عدد من الولايات؛ كالخرطوم والقضارف، هذا بجانب حرفة الرعي التي تعتمد على الزراعة وبداهة لن يكتب لها النجاح ما لم ينجح الموسم الزراعي.
وفي السنوات التي سبقت العام 2005 كانت الأوضاع طبيعية في مسألة الري، التي تمثل الأداة الوحيدة لضمان نجاح الموسم الزراعي، إلا أن هناك بعض العوامل التي ترتبط به أدت إلى تضعضع الإنتاج بل وهجر زراعة بعض المحاصيل مثل القطن والخضروات.
لاحقاً أصبح العطش يتهدد الأراضي من كل حدب وصوب، وتحديدا في الترعتين (8) و(9)، بسبب سوء الإدارة وإهمال المتابعة من قبل الإداريين بالمنطقة، من الذين يقع على عاتقهم الإشراف على الترع ومتابعة العملية، علما بأن الترعة (8) مساحتها 46 نمرة وتبلغ مساحة النمرة 81 فدانا، والترعة (9) مساحتها (11) نمرة. أما الترع من نمرة (1) إلى نمرة (7) فتبلغ مساحة النمرة (81) فدانا، والنمر التي تقع ما بين (13-17) تتفاوت ما بين الـ(35-50) فدانا.. كل هذه المساحات الواسعة أضحت غير منتجة لما أصابها من عطش متراكم على مر السنين.
ويعزو عدد من المزارعين وأصحاب الأراضي الزراعية ما حل بهم لسوء الإدارة الجديدة، بعد أن تم نقل مدير الري السابق الذي كان على تواصل مع المزارعين، ودائم الوقوف بجانبهم في عمليات الري والمشاكل التي تصاحبها. وأكد عدد من المزارعين لـ(اليوم التالي) أن المشكلة تكمن في إدارة المياه ومكاتبها التي أصبحت بعيدة عنهم، بجانب ما يجدونه من مشقة في الوصول إليها.
ويؤكد المزارع (رحمة الله) أنهم توجهوا إلى مكاتب إدارة المياه بتمبول مرارا وتكرارا، ولكن مع كل مجهوداتهم فإنهم لا يجنون سوى الوعود غير المنجزة والحلول غير المجدية. وللتدليل على المسألة يقول محدثي إن أحد المفتشين تعلل لمجموعة من المزارعين الذين حملوا إليه الشكوى، وقال مبرراً "إن الوابور الرئيس عطلان"، إلا أنهم استدركوا له بأن الترعة فيها مياه، فلاذ بالصمت!
جهد مُهدر
تحدث عدد من المزارعين بمنطقة الدناقلة عن المجهود الجبار الذي بذل في هذا الموسم والمواسم السابقة، وتمسكهم بهذه الحرفة التي يعتمدون عليها بشكل كلي في حياتهم، إلا أن مجهوداتهم ضاعت هباء منثورا بسبب الإدارة التي تتحكم في ري المشروع والترع حسب الدوارت المحددة لكل منها.
وأكد أحدهم أن بعض الترع تنعم باستقرار في الري وحصتها من المياه أثناء دورتها. كما يشير أحد المناديب بالترعة (8) إلى أن الإدارة لا تقوم بتوزيع حصص المياه بالشكل المعروف والمتبع منذ بداية المشروع، والتي تكون على دورتين من 29-1 ومن 46-30.
ويقول أحد المزارعين من خريجي الجامعات لـ(اليوم التالي) بنبرة حادة: إن هنالك سوء إدارة وإهمالا لهم وتجاهلا لمشاكلهم، ويضيف: لجأت للزراعة كحل بعد البحث عن وظيفة استمر سنين، واصطدمت بواقع أكثر مرارة مما عانيت منه باحثا عن وظيفة.
وبالنسبة للعم رحمة الله الذي يعرف بشيخ المزارعين في المنطقة، فقد عبر عن تقصير الإدارة المتمثل في عدم مرور مفتشيها أثناء فترات الري الأساسية والضرورية، ومن ضعف منسوب المياه والترع الفرعية، وما أصابها من إهمال أدى إلى تعطلها وسوء الري بالمنطقة، وأكد محدثي الذي يبذل جهداً دؤوباً من أجل مزارع المنطقة وظل صامدا مع إدارة المياه بالمشروع من أجل استقرار الري وتوفير حصتهم من المياه، أن أكثر من مئة مزارع هجروا الحرفة خوفا من الخسارة التي يتسبب فيها العطش وأن أكثر من مائتي مزارع ينتظرون المطر والذي هو بدوره أصبح شحيحا ولا توجد مؤشرات لهطول قدر كاف منه لنجاح الموسم. ويضيف الرجل قائلا: في بداية الموسم منذ شهر يونيو قمنا بزراعة الحواشات إلا أن نصيبنا من العطش كان الأكبر، مما أدى إلى تلف التقاوى والبذور، إلا أن تمسكنا بالزراعة دفعنا لزراعة الحواشات مرة أخرى في نفس الموسم.
من جهته يؤكد مندوب الترعة (8) حسن خليفة لـ(اليوم التالي) أن المساحة التي تشمل النمر(10، 11، 12) مدمرة بالكامل منذ العام 2005م، ولم تتم زراعتها بسبب شح المياه والعطش الذي حل بها، وأدى إلى محو معالم الحواشات، وأصبح من الصعب فرزها، وأضاف: نجح منها حوالي (9) أفدنة فقط، ويرجع هذا لقربها من الترعة (7) حيث تتوفر المياه، ويستطيع أصحاب الوابورات ري أراضيهم، علما بأن أراضي الترعة (8) لا يسمح لها أن تسقى إلا من نفس الترعة أما أراضي الترعة (7) فيحق لها أن تسقى في حالة استخراج تصديق مالي وقيمته 500 جنيه.
وتحدث خليفة عن الكثير من المشاكل التي تواجههم مع مكاتب الإدارة مبدياً استغرابه لكون أنه في حالة مرور أحد المسؤولين بالمشروع تكون زيارته للحواشات التي لا تعاني عطشا ولا تعاني من ندرة وشح في المياه!
ويضطر محمد صديق صاحب حواشة بالترعة (9) إلى أن يروي حواشته من الترعة (8) بواسطة طلمبته الخاصة، تخوفا من الخسارة نتيجة العطش، إلا أنه تعرض لغرامة قدرها 350 جنيها سددها دون أن يسلم مستندا ماليا حسبما يقول.
أعباء مالية
نبيل أبو زيد من منطقة الدناقلة تحدث عن المجهودات الكبيرة التي تبذل من أجل تحضير (الحواشة) والتي تقدر بحوالي 2080 جنيها لثلاثة أفدنة، تشكل بدورها عبئا آخر على المزارع غير المقتدر ماديا، ويصبح أمله في النجاح محض صدفة أو ضربة حظ، أما عبد الباقي الطيب، المزارع بـ(ترعة 9) وصاحب حواشتين ويملك بابورين فيقول لـ(اليوم التالي): هجرت الزراعة هذا الموسم خوفا من العطش والخسارة.
الإنتاج الضائع
ويقدر الإنتاج حال توفر الري الطبيعي واستقرار حصة المياه لكل حواشة بحوالي 120 جوالا للفدان الواحد، أما في حالة عدم استقراره فيكون الإنتاج حوالي 17 جوالا، علما بأن معدل الري الطبيعي الذي يضمن نجاح المحصول للحواشة الواحدة هو أربع (شربات) كما يسمونه. ويقدر سعر الجوال بقيمة 170 جنيها أثناء فترة الحصاد.
وعلى الرغم من الخسائر والإنتاج الضائع تظل الإدارة متمسكة بالضريبة المالية على الري والتي تجمع قسرا من المزارعين وقيمتها 300 جنيه. ويشتكي المزارعون من طريقة تحصيلها التي تتم خارج مكاتب الإدارة، وأفاد أحدهم قائلا: في حالة عدم دفعها تمنع من الحصاد عن طريق الحاصدات، وتفرض غرامة على أصحاب الحاصدات تقدر بـ(500) جنيه في حالة عدم دفع ضريبة المياه، أما في حالة فشل المحصول كعادته فتتم مساومة في قيمة الضريبة ويتم إعفاء المزارع من ضريبة فدان واحد، إلا أن أغلب المزارعين في نهاية الموسم لا يحصدون سوى الخسارة الفادحة، والبعض منهم لا ينتج سوى جوال واحد من الذرة من مساحة ثلاثة أفدنة، ولكنهم يظلون متمسكين بها من أجل تربية حيواناتهم والتي تمثل الدعامة الثانية لإنسان المنطقة
اليوم التالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق