الأحد، 5 يوليو 2015

«مؤسسة الفكر العربي» تراجع أولوياتها لتواكب الانقلابات المفصلية


بيروت: «الشرق الأوسط»
خمسة عشر عامًا مضت على تأسيس «مؤسسة الفكر العربي». لم تكن المسيرة سهلة، ولا ظروف المنطقة بالمشجعة للبحث والمعرفة، خاصة في السنوات الأخيرة.
ADVERTISING
انطلقت المؤسسة بالتزامن مع احتفالية «بيروت عاصمة للثقافة العربية»، حيث أعلن الأمير خالد الفيصل، من بيروت حينها عن ولادة مبادرة أهلية تجمع بين رأس المال والفكر، من أجل الإسهام في التضامن والنهضة العربيين. رغم كل الأحداث الحالكة، استمرت المؤسسة في نشاطها، بل هي وسعت نطاق اهتماماتها، تدريجيًا، لتطال مع مضي الوقت التعليم، لا سيما تطوير مناهج اللغة العربية وأساليب التعاطي اليومي معها، وأطلقت برنامجا للشباب، كما أصدرت نشرة شهرية ثقافية، وبدأت منذ سنوات منح جوائز سخية تشجيعًا منها للخلاقين العرب. هذا عدا التقارير والدراسات السنوية وترجمة للكتب من لغات عدة.
وهذه السنة وللعام التاسع على التوالي فتحت المؤسسة باب الترشح لـ«جائزة الإبداع العربي» بفروعها السبع: العلمي، والتقني، والإعلامي، والمجتمعي، والأدبي، والاقتصادي والفني، وكذلك جائزة أهم كتاب عربي، التي يستمر الترشح إليها جميعًا حتى 30 من أغسطس (آب) المقبل. وتبلغ قيمة الجائزة لكل فرع 25 ألف دولار أميركي في ما ترتفع جائزة أهم كتاب عربي لتبلغ 50 ألف دولار. ويشرح الدكتور هنري العويط، المدير العام لمؤسسة الفكر العربي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجائزة كان قد تقدم لنيلها العام الماضي 300 مرشح من 20 دولة عربية، أما العام الحالي، وخلال أقل من أسبوعين، وصلت ترشيحات من 16 دولة، وتسعى المؤسسة، لحث من تتوافر فيهم الشروط للترشح، من خلال إيصال المعلومة إلى كل بلد عربي، كما تم تطوير استمارة الترشح الموجودة على موقع المؤسسة، وعليه أيضا يجد المهتمون، المعايير العامة والخاصة المعتمدة لاختيار الفائزين».
والجائزة متميزة لمرونتها وديناميكيتها، لأنها تكافئ الإبداع، بمختلف صوره، ولا تمنح فقط للكتب، ففي المجال الإعلامي قد تعطى لمشروع خلاق أو موقع إلكتروني، كما في المجال الفني قد تمنح لأسطوانة أو مسار أو إنجاز ما، كما أنها في المجال المجتمعي قد تنالها جمعية قامت بأعمال مشهود لها. وقد منحت جائزة الإبداع العلمي العام الماضي، مثلاً، للدكتور ألفرد نعمان والدكتور عصام خليل (لبنان) عن مشروع «تطوير دواء MM - MTA للعلاجات اللبيّة»؛ في ما فاز بجائزة الإبداع التقني الدكتور مشهور مصطفى بني عامر (الأردن) عن «النظام العلاجي الذكي».
لكن المشكلة المزمنة للجوائز في العالم العربي، هي عدم النظر إليها بمصداقية، وثمة شكوك دائمًا تحوم حولها. الدكتور هنري العويط يؤكد على أن كل جائزة «تثبت مصداقيتها بنفسها فبعد الإعلان عن أي عمل فائز يحكم عليه الناس بأنفسهم إن كان يستحق أم لا». ويقول الدكتور العويط: «لم يحدث لغاية الآن أن تقدم أحد باعتراض على أي من الأعمال التي فازت بالجائزة، وهي تتمتع بشفافية كبيرة، وللاختيارات معايير وضعت سلفًا تتم على أساسها التصفيات، كما أن المؤسسة حريصة على أن يكون أعضاء لجان التحكيم من ذوي الاختصاص والكفاءة ومشهود لهم في ميدان عملهم».
«المراجعات النقدية الذاتية، جزء من عمل المؤسسة، وضرورة للتطوير المستمر، يتم ذلك من خلال اجتماعات ومشاورات دائمة، لضبط المعايير وأدوات العمل»، بحسب المدير العام للمؤسسة.
ولكن لماذا لا يعلن عن أسماء أعضاء اللجان التحكيمية.. نسأل الدكتور العويط الذي يعتبر أن لا سرية في العمل، بل على العكس، عند الإعلان عن الفائزين في مؤتمر صحافي، يكون أعضاء اللجان حاضرين، لكن قبل ذلك يفضل أن تبقى الأسماء سرية لإبعاد الأعضاء كما المشرف على كل لجنة عن الضغوط التي يمكن أن يتعرضوا لها.
لكل فرع من الجائزة لجنة تحكيمية خاصة، تتكون من أصحاب الاختصاص ومشرف عليها، وبحسب مدير المؤسسة، فإن «عدد أعضاء لجنة التحكيم، يتغير تبعًا لعدد المرشحين. فإذا تقدمت للجائزة الأدبية مائة رواية أو عمل شعري، فبالضرورة أن عدد أعضاء اللجنة سيكون مختلفًا عنها حين يكون عدد المرشحين مائة، مما يستدعي عددًا أكبر من القارئين والمحكمين، بحيث يأتي كل عضو بالعلامات التي وضعها لكل عمل أدبي قرأه، وهنا تتم التصفيات على مراحل». وهي عملية آلية ومضبوطة تشبه عمل لجنة أكاديمية عند مناقشة أطروحة دكتوراه، مثلاً.
عند موضوع المصداقية يتوقف الدكتور هنري العويط ليقول: «العام الماضي فازت عن جائزة الإبداع المجتمعي، جمعية مجهولة من حضرموت، من أقاصي اليمن. هم أنفسهم لم يصدقوا أنهم ربحوا الجائزة. ليس بالضرورة أن تكون الجهة الفائزة معروفة أو مشهورة، لكن من المهم أن تكون قد قدمت عملاً جليلا ربما في قرية نائية في السودان أو فلسطين، مثل جمعية «فرح العطاء» في لبنان التي قامت بخدمات إنسانية كبيرة في منطقة محرومة مثل «باب التبانة» أو لنزلاء السجون.
تصل كلفة جائزة الإبداع العربي إلى 800 ألف دولار، ولكن ماذا تحقق أكثر من توزيع المبلغ على الفائزين، هل من متابعة؟ الدكتور العويط يقول: «أود أن ألفت إلى أن غالبية الجوائز العربية تحمل أسماء مموليها أو مانحيها. أما هذه الجائزة فتحمل اسم (الإبداع العربي)، وهذا يحسب لها فهي تسير عكس التيار الذي ينفخ في الزعيم أو المسؤول. وبالتالي فهي تكرم المتفوقين في مجالاتهم، وهي لخدمة الفكر والفن والإعلام والمجتمع المدني، في زمن التعصب والتطرف، وتحاول أن تضيء على صورة أخرى مختلفة للعرب. البعد الثاني للجائزة هو تحفيزي، بحيث نقول للفائز هناك من يرعاك ويشجعك ويعنى بك، ونحن في المؤسسة منفتحون على المستقبل».
بدأت «مؤسسة الفكر العربي» عملها بمؤتمرات ومشاريع بحثية، ثم تشعبت اهتماماتها في اتجاهات مختلفة، ألا يؤثر هذا على فعالية العمل؟ نسأل د. العويط الذي يجيب بالقول: «نحن نطرح هذا السؤال على أنفسنا، لكن العالم العربي حاجاته كثيرة، وكيفما عملنا نجد أنفسنا نسد ثغرة. قضية اللغة العربية، مثلاً، محورية، بمعنى ما هي الوسائل التي يمكن أن تخدم اللغة وتحافظ عليها، لأنها أداة التنموية الرئيسية. برنامج الترجمة ضرورة هو الآخر للانفتاح على العالم، نحن نترجم عن الصينية والهندية والإسبانية والفرنسية، خدمة للغة العربية. والشباب هم المستقبل وعليهم الاتكال الكبير، لذلك نشعر أن من واجبنا أن نعنى بهم. الأبحاث أيضًا، لا نستطيع أن نغفلها لذلك نصدر مجلة (أفق) الشهرية». لكن د. العويط وبعد أن يشرح المهمات التي تضطلع به المؤسسة يستدرك بالقول: «يبقى هناك تفكير دائم بالقطاع الذي يستحسن أن نعتبره أولويتنا ونوليه جهدنا الأكبر. نحن في ورشة كبيرة لجوجلة الأفكار».
وعما تتمخض عنه، في الوقت الراهن، هذه المراجعات المستمرة لتحديد الأولويات يقول الدكتور هنري العويط: «لعلنا متجهون لتحويل المؤسسة إلى مركز للأبحاث، وذلك بالعمل مع باحثين دائمين داخل المؤسسة، وآخرين نتعاون معهم من خارجها، كأي مركز أبحاث في العالم. وهذا حاليًا،، موضوع ورشة تفكير كبيرة، بالتعاون مع جهات عدة».
مجلس الأمناء هو الذي يرسم خريطة الطريق الاستراتيجية لهذه المؤسسة الثقافية العربية التي تعمل منذ عقد ونصف، والأهداف التأسيسية ستبقى بحسب ما يقول مديرها العام هي نفسها، ولن يكون أي حياد عنها. لكن طريقة الوصول إلى الغايات هو الذي يتم بحثه باستمرار، خاصة أن حاجات الدول العربية بعد ما أصابها تغيرت ولا بد من ديناميكية لمتابعة هذه التحولات التاريخية الكبرى.
لهذا فإن المؤتمر السنوي الذي اعتادت إن تعقده المؤسسة، سيكون هذه المرة من 6 إلى 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل حول «التكامل العربي: تجارب، تحديات، آفاق» في الماضي والحاضر والمستقبل. وهو مؤتمر يعقد في القاهرة لمواكبة الاحتفال بمرور سبعين سنة على تأسيس الجامعة العربية. ويشرح الدكتور العويط: «الهدف هو التساؤل حول ما يجب أن نفعل، ونقد المرحلة السابقة، وما ارتكب فيها من أخطاء. نحن مؤسسة بناءة ونعتمد المراجعات التقييمية. والمؤتمر سيكون استكمالاً للذي سبقه في الصخيرات في المغرب العام الماضي، حول التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم».
يشرح المدير العام للمؤسسة بأن «مؤتمر القاهرة سيقام برعاية جمهورية مصر العربية، وبالتعاون مع جامعة الدول العربية، وسيقدم توصيات لتفعيل دورها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق