الأحد، 12 يوليو 2015

ويكيليكس السودان ــ إيران... توتّر "تكتيكي"


يسلط الضوء بين الحين والآخر على العلاقات السودانية الإيرانية التي شهدت أخيراً توتراً جديداً بعد انضمام السودان إلى الحلف الخليجي عسكرياً من البوابة اليمنية، بحثاً عن مصالح اقتصادية، بعد التدهور الذي شهدته البلاد منذ انفصال الجنوب عام 2011، وتكوين دولته المستقلة وانسحاب 70 في المئة من إيرادات النفط الجنوبي من الخزينة العامة للدولة.
نشر موقع ويكيليكس أخيراً، تسريبات لوثائق ومراسلات تصل إلى نحو 466 وثيقة تتعلق بالسودان وتتضمن مراسلات لمسؤولين سودانيين وسعوديين إلى جانب أنشطة استخباراتية حول علاقة السودان بإيران، وطلب الأخيرة بناء قاعدة عسكرية في السودان، فضلاً عن استيراد الأسلحة ومواد تخصيب اليورانيوم إلى الخرطوم. وتأتي التسريبات بعد قرابة التسعة أشهر من القرارات السودانية في إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد وطرد مندوبيها بحجة إسهامها في تشييع ما يقارب 12 ألف سوداني. حينها، قادت الحكومة حملة كبيرة مؤيدة للقرار الذي تمسّك به الرئيس عمر البشير شخصياً، وعمدت إيران إلى المهادنة، مواجهة الملف بنبرة هادئة، واتهمت "جهات" لم تسمها بمحاولة تخريب علاقاتها بالخرطوم.
ويرى مراقبون، بعد تلك الحادثة، أنّ السفير الإيراني في السودان، جواد تركابادي، كان حاضراً في معظم المناسبات الرسميّة، إلا أنّه في الفترة الأخيرة، اختفى تماماً، إذ لم يكن هناك أي تمثيل إيراني في حفل تنصيب البشير في ولاية رئاسية خامسة. ويشير المراقبون إلى أنّ تحول السودان من المحور الإيراني إلى الخليجي، قد يكون مجرد تكتيك مرحلي لتعود بعدها الخرطوم إلى علاقاتها بطهران، باعتبار أنّ علاقاتها بإيران استراتيجية وقائمة على مصالح أمنية ودفاعية فضلاً عن أنّ الخرطوم، حتى الآن، لم تنل ما تسعى إليه من مساعدات اقتصادية من دول الخليج تسهم في إنقاذ اقتصادها الذي يعاني من شح العملة وارتفاعها في السوق الموازي (الدولار يساوي 9.5 جنيهات سودانية).
وتسعى إيران جاهدة في إقناع الخرطوم لبناء قاعدة على البحر الأحمر، ما يمكّنها من اختصار المسافة بينها وبين السعودية إلى ثماني ساعات، فضلاً عن قربها من دول الخليج، كما تمثّل مدخلاً لأفريقيا ومصر.

ويستبعد المحلل السياسي عبد المنعم أبو ريس، أن يعود السودان إلى المحور الإيراني. ويرى في حديثه لـ"العربي الجديد، أنّ "الحكومة فاضلت مصالحها بين إيران والخليج، لا سيما بعد تفاقم أزمتها الاقتصادية. لذا لا أعتقد أن تراهن الحكومة على إيران مرة أخرى، لا سيما أن الأخيرة يُعرف عنها أنّها لا تقدم أية خدمات اقتصادية تذكر".

وتقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك تخوفات من قبل دول الخليج من أن تكون هناك علاقات سودانية ــ إيرانية مخفيّة، لا سيما أنّ هناك قيادات داخل الحزب الحاكم لديها مصالح وارتباط وثيق بإيران، فضلاً عن استمرار السودان في الاعتماد على طهران فيما يتصل بتوفير السلاح وتطويره".
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي أبازر محمد، أنّه "يستحيل أن تتخلى الخرطوم عن علاقاتها بإيران في حال لم تجد جهة بديلة تساندها، باعتبار أن طهران هي من أسست الصناعة الحربية في السودان بشكل أو بآخر، وأسهمت في صفقات السلاح وتصنيعه في الداخل، الأمر الذي يجعل من المستحيل أن تنقطع تلك العلاقة في المستقبل المنظور، في ظلّ الحروب الداخلية في السودان وتوزّعها جغرافياً". ويضيف محمد: "كما أن السودان بالنسبة لإيران حليف استراتيجي لن تتخلى عنه بسهولة، وخصوصاً أنّ حليفها حزب الله اللبناني تأثر بالصراع في سورية واليمن، لذلك تركز جهودها على الخرطوم بسبب أزماتها مع دول الخليج، وتحرص على تكرار طلبها في إنشاء القاعدة العسكرية، باعتبار أنه يوفّر لها سنداً جغرافياً لمواجهة الخليج وإسرائيل معاً".
تاريخياً، تعاطف إسلاميو السودان مع الثورة الإيرانية التي ينظرون إليها كحلف إسلامي. وبدأ الارتباط الثقافي غير الرسمي بين إيران والسودان عام 1979، إذ شهدت الخرطوم تظاهرات حاشدة ومؤيدة للثورة الإسلامية. وأنشئت أول مؤسسة ثقافية إيرانية في السودان عام 1984، في وقت كانت مؤسسات إيرانية تعمل بصورة منفصلة في الخرطوم، إلى أن تم توحيدها عام 1995، ومنها، الحرس الثوري الإيراني ووزارة الإرشاد، والمركز العالمي للعلوم الإسلامية وحوزة قم العلمية، وأسندت جميعها إلى المستشارية الثقافية ووزارة الاستخبارات والخارجية.
بعد وصول النظام الحالي إلى الحكم عام 1989، تعمّقت العلاقات مع إيران، إذ ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحركة الإسلامية. وتعتبر هذه الحركة أكبر مرّوج لإيران في السودان، إذ لم تخف إعجابها بثورة المرشد الأعلى، روح الله الخميني. ويرى مراقبون أن الثورة الإيرانية مثّلث للإسلاميين مصدر إلهام، ورأوا في التجربة الإيرانية نموذجاً أمنياً يمكن الاستعانة به في تأمين حكمهم. كما تربط الخرطوم بطهران علاقات العدو المشترك "أميركياً"، كما تصنّف الدولتان ضمن "محور الشر"، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية. وظلّت الحكومة في الخرطوم تنفي بشدة أنها حليفة إيران، معتبرة أنّ علاقاتها بالأخيرة عادية، لم تزد عن التمثيل الدبلوماسي المتبادل.
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق