الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

بعد رفع الخرطوم دعمها عن القمح… هل تتكرر احتجاجات العام الماضي التي حركتها أزمة الوقود؟



الخرطوم – الأناضول:
يرى مراقبون في إعلان الحكومة السودانية رفع الدعم كليًا عن سلعة القمح أنه قد يُفضي إلى خفض عجز الموازنة، لكنه يضعها أيضًا في مواجهة احتجاجات شعبية محتملة تماثل تلك، التي واجهتها عندما رفعت الدعم عن الوقود عام 2013.
وكان دعم الحكومة لسلعة القمح يتمثل في تخصيصها لسعر صرف منخفض للدولار للشركات العاملة في استيراد هذه السلعة، حيث تخصص لها 4 جنيهات مقابل الدولار، بينما سعر الصرف الرسمي 6 جنيهات للدولار.
لكن أمس الأول قررت وزارة المالية تحريك سعر الصرف المخصص لواردات القمح، من 4 جنيهات مقابل الدولار، إلى 6 جنيهات، ما يعني أنها رفعت الدعم كلياً عن هذه السلعة الاستراتيجية.
ويعتبر القرار استكمالًا لقرار الحكومة في يوليو/تموز الماضي، عندما رفعت الدعم جزئيًا بتحريك سعر الصرف الخاص بواردات القمح من 2.9 جنيه إلى 4 جنيهات مقابل الدولار الواحد، بالتزامن مع قرار تحرير استيراد القمح الذي كانت تحتكره ثلاث شركات فقط.
ويستهلك السودان نحو مليوني طن من القمح، يتراوح حجم المنتج منه محليًا بين 12 و17 في المئة، بينما تستورد المتبقي من الخارج، بتكلفة تعادل مليار دولار سنويًا، بحسب إحصاءات رسمية.
وقال محمد الناير، أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم ان هناك عاملين وراء قرار الحكومة رفع الدعم، الأول هو “الانخفاض في السعر العالمي للقمح، وهو ما يقلل العبء على المستهلك من جراء رفع الدعم”.
والعامل الثاني وفقًا للنايرهو قرار الحكومة “فك احتكار استيراد القمح، ما وفر لها عروضًا أفضل للاستيراد، عندما فتحت العطاءات الشهر الماضي، وتقدمت لها 28 شركة بدلًا من 3 فقط كانت تحتكر استيراد السلعة”.
وفي وقت تعاني فيه الحكومة عجزًا بنحو مليار دولار في الموازنة العامة، التي تعادل نحو 4 مليار دولار، بحسب وزارة المالية، لا يرى أستاذ الاقتصاد أن يكون هناك أثرًا كبيرًا في العجز الخاص بميزان المدفوعات الخارجية.
وفيما رجّح أن تنخفض المدفوعات الخاصة بتوريد القمح “من مليار دولار إلى حدود 900 أو 950 مليون دولار”، رأى الناير أن “الأثر الكبير سيكون في الميزان الداخلي، جراء الفارق الذي صنعه تحريك سعر الصرف”.
في المقابل يرى آخرون أن قرار الحكومة من شأنه تأليب الشارع عليها مجددًا، مثلما حدث عندما رفعت الدعم عن الوقود قبل عامين.
واندلعت في السودان في سبتمبر/أيلول 2013 أقوى احتجاجات شعبية ضد حكومة الرئيس عمر البشير، منذ وصوله للسلطة في 1989، خلفت عشرات القتلى. واندلعت الاحتجاجات آنذاك ردًا على خطة تقشف حكومية، شملت إلى جانب رفع الدعم عن الوقود، زيادة الضرائب، وتعويم العملة الوطنية لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي بدأ في التدهور عندما انفصل جنوب السودان عام 2011، مستحوذًا على 75 % من حقول النفط كانت تمثل 50 في المئة من الإيرادات العامة ونحو 80 في المئة من مصادر العملة الصعبة.
لكن وزير المالية السوداني، بدر الدين محمود، قال في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه قرار الأمس انه “إيجابي للخروج من الدعم بصورة كلية دون الضغط على المواطن للاستفادة من انخفاض أسعار القمح عالميًا”، ورأى أن من فوائده أيضًا “إزالة التشوهات، ومعالجة دعم الأسعار”.
وردا على ذلك يقول حاج حمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، أن حديث الوزير عن عدم تأثر المواطنيين “ليس علميًا، طالما أن هناك فجوة كبيرة في العملة الصعبة”.
ويُرجع حمد قرار الحكومة إلى “اكتشافها أن الشركات التي كانت تحتكر استيراد القمح تجني أرباحًا طائلة بالاستفادة من فرق سعر الصرف المخصص لها، ومع ذلك تصل السلعة إلى المستهلك بما يعادل السعر العالمي”.
ورجح أستاذ العلوم السياسية أن يؤدي قرار الحكومة إلى احتجاجات شعبية مماثلة لتلك التي اندلعت عندما رفعت الحكومة الدعم عن الوقود، قبل عامين، لكنه رهن نجاحها بمدى قدرة أحزاب المعارضة على تجاوز أخطائها التي صاحبت الاحتجاجات السابقة. وتابع حمد “مع تردي الوضع المعيشي، فإن الانتفاضة باتت خيارًا قريبًا، لكن السؤال هل المعارضة جاهزة لتنظيمها؟”.
ويًعتقد على نطاق واسع في الشارع السوداني، أن من أسباب فشل احتجاجات 2013 ضعف فصائل المعارضة، وعجزها عن قيادة وتنظيم الاحتجاجات التي حركتها بالأساس تنظيمات شبابية مناهضة لحكومة البشير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق