الجمعة، 22 أبريل 2016

حلايب .... شلاتين محطات بارزة في المثلث التائه بين السودان ومصر


القاهرة ـ الأناضول: يطلق على هذه المنطقة اسم «مثلث حلايب وشلاتين» نظرا لأنها تضم ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبوالرماد وشلاتين. ويتوزع سكانها بين عدة قبائل، أشهرها «البشارية» و«العبابدة».
وتطل هذه المنطقة على ساحل البحر الأحمر، وتقع على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني، وتبلغ مساحتها الإجمالية 20.5 ألف كيلومتر مربع.
ومؤخرا جدّدت الخارجية السودانية الجدل التاريخي الدائر بين الخرطوم والقاهرة بشأن أحقية السيادة على منطقة المثلث، الواقعة على الحدود بين البلدين، وذلك بعد أيام من إعلان السلطات في مصر التوصل (في8 أبريل / نيسان الجاري) إلى اتفاق مع السعودية بشأن إعادة ترسيم الحدود البحرية المشتركة بينهما و»إعادة» جزيرتي تيران وصنافير على البحر الأحمر إلى الرياض. وطالبت الخارجية السودانية، الأحد الماضي، مصر بالتفاوض المباشر معها حول المثلث أسوة بما اتفقت عليه مع السعودية.
وطالبت الخارجية السودانية مصر ـ في حالة عدم قبول التفاوض المباشر معها ـ أن توافق على اللجوء إلى التحكيم الدولي من أجل حسم النزاع. ويذكر أن التحكيم الدولي يتطلب أن تقبل الدولتان المتنازعتان باللجوء إليه، وهو الأمر الذي ترفضه مصر. بل ان الخارجية المصرية ردّت بشكل مقتضب على نظيرتها السودانية، وقالت إن حلايب وشلاتين «أراض مصرية تخضع للسيادة المصرية»، مضيفة أن مصر «ليس لديها تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية» بهذا الخصوص.

ضم السودان لمصر
لم تكن للحدود السياسية بين مصر والسودان أية دلالة، إذ كان ينظر إلى الدولتين كبلد واحد. وكانت أهمية الحدود بينهما قاصرة على الأمور الإدارية فقط ولذلك كانت الحدود مفتوحة للعبور بدون قيود. 
واستقر الوضع على هذا المنوال حتى أوائل القرن الـ19 وبالتحديد حتى العام 1820 حين ضم والي مصر، محمد علي، السودان ووضعه تحت سلطته السياسية، وبذلك امتدت حدود مصر السياسية جنوبا لتضم الإقليم السوداني بأكمله.
وحينها اعترف السلطان محمود الثاني بسلطة الوالي المصري على المناطق التي فتحها من الجنوب، وأقرّ عدم أحقية ولاة مصر في التنازل عن أي امتيازات تكون قد أعطيت لهم سواء في مصر أو في السودان. كما منعهم من التخلي عن أي جزء من هذين الإقليمين، أو إبرام أية معاهدات سياسية بشأنهما.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني 1899، وقّعت مصر وبريطانيا ما عُرف بـ«اتفاقية السودان»، باعتبارهما قائمتين على الحكم الثنائي المصري البريطاني في السودان آنذاك. وفي حقيقة الأمر لم يكن لمصر من أمرها شيء في هذه الفترة، إذ كانت بريطانيا تحتلها، وكانت تتولى فعليا مقاليد الحكم في البلاد. ونصت الاتفاقية في مادتها الأولى على أن يطلق لفظ السودان على جميع الأراضي الواقعة جنوبي خط عرض 22 شمالا.
غير أن الاتفاقية، لم تتجاوز قيمتها كونها خطا إداريا يفصل بين إقليمين يخضعان قانونا لوحدة سياسية واحدة هي سلطة الوالي المصري، والذي كانت سلطاته مقيدة بالمحتل البريطاني في وقتها. لكن الوضع تبدل منذ يناير / كانون الثاني 1956، وهو تاريخ استقلال السودان. ومنذ ذلك التاريخ فقط تحول الخط 22 شمالا إلى حد سياسي دولي بالمعنى القانوني.
وشهدت الحدود السياسية بين البلدين إجراء بعض التعديلات الإدارية عليها خلال الفترة التي تلت عملية تحديدها، فشكلت، في ما بعد، جوهر الخلاف بين مصر والسودان بشأنها. وكان سبب التعديلات هو الرغبة في جمع شمل القبائل التي تعيش على جانبي الحدود وإخضاعها لنظام إداري واحد.

بداية النزاع
في أواخر يناير/ كانون الثاني 1958، بدأ النزاع المصري السوداني بشكل فعلي على «مثلث حلايب وشلاتين»، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الخرطوم على خلفية إجراء الانتخابات البرلمانية في السودان في 27 فبراير/ شباط 1958، محتجة على أن الجهة السودانية المشرفة على هذه الانتخابات «خالفت» اتفاق عام 1899 بشأن الحدود المشتركة بين الدولتين، وذلك لإدخالها المثلث ضمن الدوائر الانتخابية السودانية. وطالبت المذكرة بـ«حق» مصر في استعادة المناطق الواقعة تحت الإدارة السودانية شمال خط عرض 22 شمالا إلى سيادتها. 
ومع ذلك استمرت المنطقة مفتوحة أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين بدون قيود من أي طرف حتى عام 1995، حين دخلها الجيش المصري، وأحكم سيطرته عليها. وكانت هذه الخطوة رد فعل على محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، والتي اتهمت القاهرة الخرطوم بالضلوع فيها. 
ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر، فيطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة على هذه المنطقة.

الموقف المصري
ـ أن التعديلات الإدارية على الحدود مع السودان تمت بهدف التيسير على القبائل التي تعيش على جانبي خط الحدود، وهي بذلك تعد قرارات إدارية صدرت استجابة لرغبات المسؤولين المحليين في المناطق المتنازع عليها.
ـ لم يحدث أن أبرمت مصر أي اتفاقات دولية بينها وبين السودان أو بريطانيا (أثناء الحكم الثنائي للسودان)، لإضفاء الصفة الدولية على هذه التعديلات. 
ـ اعتمادا على اتفاق بين السودان وهيئة المساحة المصرية في 1909، رسم الطرفان خريطة للمنطقة أشير فيها إلى الحدود السياسية وفق خط عرض 22 شمالا جنبا إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية في ضوء التعديلات الإدارية.
ـ القول إن مصر تنازلت عن سيادتها على المناطق المتنازع عليها يفتقر إلى دليل مقنع، لأنها كانت خاضعة لسيادة الدولة العثمانية وقت إجراء التعديلات، ولم تكن تستطيع التنازل أو البيع أو رهن أي جزء من أراضيها إلا بموافقة الباب العالي، وهو ما لم يحدث.
ـ وفقا للقانون الدولي فإن التنازل عن الإقليم لا يكون صحيحا وملزما قانونا إلا بموافقة الأطراف المعنية على ذلك صراحة.
ـ السودان، بالنسبة لمصر، لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالا. وهي اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود. لكن هذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.
ـ من أهم مظاهر الوجود المصري في المثلث أن هناك شركة مصرية (شركة علبة المصرية التي تأسست في 1954) تعمل في مجال استخراج المعادن في هذه المنطقة، وظلت تباشر عملها حتى أدمجت في «شركة النصر للفوسفات» المصرية عام 1963. أما النشاط التعديني المصري في المنطقة فيعود إلى 1915، حين صدرت (حتى عام 1918) ترخيصات للبحث والتنقيب في المنطقة لاستغلال الثروة المعدنية، كما تم رفض عشرة تراخيص منها سبعة تراخيص لشركة «شرق السودان» السودانية. وكانت القاهرة تأخذ في الاعتبار أن كل ما يحدث شمال خط عرض 22 شمالا يتم في أرض مصرية، وكانت تخطر السودان فقط بما يصدر من تراخيص.

الموقف السوداني
ـ إن السودان ـ ممثلا في دولتي الإدارة الثنائية (مصر وبريطانيا) ـ ظل يدير هذه المناطق منذ إجراء التعديلات الإدارية على خط الحدود الذي أنشئ بناء على اتفاق 1899.
ـ السودان، من خلال الحيازة الفعلية لهذه المناطق، قام بمباشرة جميع أعمال السيادة عليها، وهذا دليل انتقال السيادة إليه.
ـ على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحته، إلا أن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899 و1958 يدل على أن مصر «تنازلت عمليا عن حقوقها السيادية» في المنطقة. 
ـ كما يعد ذلك سندا للسودان للتمسك بالمناطق المذكورة تأسيسا على فكرة التقادم القائمة على مبدأ الحيازة الفعلية وغير المنقطعة من السودان من جانب، وعدم وجود معارضة لهذه الحيازة من الجانب الآخر. 
ـ إن مصر، عندما اعترفت بالسودان كدولة مستقلة ذات سيادة عام 1956، لم تشر في اعترافها إلى أي تحفظات بشأن الحدود. وهذا يعني أنها كانت بدون مطالب لها في هذا الشأن، أو أنها تنازلت عن هذه المطالب.
ـ مصر لم تعترض على المذكرة التي بعث بها السودان إليها في يناير / كانون الثاني 1956 وأشار فيها صراحة إلى أنه يحتفظ بموقفه الخاص في ما يتعلق بجميع الاتفاقيات التي عقدتها نيابة عنه دولتا الإدارة الثنائية (مصر وبريطانيا).
ـ السودان يتمسك بمبدأ المحافظة على الحدود الموروثة منذ عهد الاستعمار، ومنها حدوده الشمالية عن دولتي الإدارة الثنائية. 
ـ يرى السودان أن مبدأ قدسية الحدود الموروثة قد أكدت عليها «منظمة الوحدة الأفريقية» (الاتحاد الأفريقي حاليا) في ميثاقها الذي تم إقراره من جانب مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية في اجتماعه الأول بالقاهرة في يوليو / تموز 1964، ولم تعترض مصر عليه.

القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق