الثلاثاء، 19 أبريل 2016

فاسمعى يا جارة .. بقلم: محمود دفع الله الشيــــــــخ / المحامى

متى ما تعكر صفو العلاقات بين الحكومتين السودانية والمصرية لجأت الأولى عبر منسوبيها إلى التصريح بأن حلايب سودانية، وقد لاحظت أن شلاتين يسقط ذكرها فى ذلك التصريح أو تلك التصريحات فى (معظم) الأحايين، لماذا ! لست أدرى!  المهم أن الحكومة السودانية ظلت على الدوام تتعامل مع هذا الملف بطريقة غير جادة ،وتستخدمه فقط عند الضرورة كبطاقة ضغط. والأغرب أن الحكومة السودانية بعد فشل محاولة إغتيال الرئيس المصرى الأسبق فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، ظلت تتفرج - و لاتحرك ساكنا- على تمصير المنطقتين، بل وضمهما فى الدوائر الانتخابية، مما جعل الكثيرون يقولون أنها قد تنازلت عن المنطقتين نظير تناسى الجانب المصرى للمحاولة الفاشلة والمطالبة بتسليم من خططوا لها ونفذوها  .    

    الشاهد أنه خلال هذا الأسبوع أعادت الحكومة السودانية  ذات التصريح رغم عدم وجود توتر (ظاهرى) فى علاقتها بنظيرتها المصرية، وربما ولأول مرة كذلك تطالب الحكومة نظيرتها المصرية بالجلوس للتفاوض المباشر أو اللجوء للتحكيم الدولى، وتلك خطوة تأخرت لقرابة الستين عاماً رغم أن السودان قد أودع سلفاً  مذكرة احتجاج على هذا الوضع لدى مجلس الأمن، مما يعنى أنه قد ابتدأ فعلياً فى الحل القانونى قبل عقود من الزمان. فما السبب فى اتخاذ تلك الخطوة الجدية بعد مرور تلك السنوات؟.

    أصدرت وزارةُ الخارجية السودانية بيانا يوم أمس الأحد الموافق السابع عشر من شهر أبريل للعام 2016  اعترفت فيه وأقرت بأن دافعها فى اتخاذ تلك الخطوة هو (الإتفاق الذى جمع بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية حول عودة جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، إذ  هذا الإتفاق معنى كذلك بمنطقتى حلايب وشلاتين )!

    السودان لم يكن أبدا فى حوجة لأى إتفاق جانبى بين أى دولة وأخرى ليزكره بحقوقه فى منطقتى حلايب وشلاتين وضرورة اتخاذ خطوات جادة تجاهها، كما أن الإتفاق الذى أجرته السعودية مع مصر والذى يتضح من خلاله أن السعودية تقر بمصرية حلايب وشلاتين غير ملزم بالمرة للسودان من الناحية القانونية. فطالما أنه إتفاق ثنائى فإن آثاره تنصرف فقط على أطرافه. غير أن التصريحات الرسمية التى أطلقها بعض المسؤلين السعوديين حول المنطقتين هى ما ازعجت الحكومة السودانية،  بالإضافة إلى الإتفاقيات الإقتصادية الضخمة التى وقعها الجانب السعودى مع المصرى مما يعنى للجانب السودانى الآتى  :

    1. رضاء السعودية التام من النظام المصرى على الرغم من أنه قد جاء خلفا لحكومة إسلامية وبطريقة اعترضت علي شرعيتها الحكومة السودانية .
    2 . الإعتراف السعودى بأهمية الدولة المصرية وبذل كل الجهود فى إقالة عثرتها. 
    3. ترجيح كفة الجانب المصرى فى أى خلاف قد ينشب مع الحكومة السودانية وكانت السعودية وسيطاً فيه، أو باستطاعتها التأثير فيه.
    4. قطع السودان الفورى لعلاقته بإيران بجانب دخوله بثقل عسكرى فى حرب اليمن بناءً على طلب سعودى لم يثمر عن أى تحسن فعلى للعلاقات السعودية السودانية، وبالتالى لم يسفر عن أى دعم سياسى واقتصادى يذكر.

     الحكومة السودانية لازالت ولمدة تقارب الثلاثين عاماً تمارس السياسة، والخارجية منها على وجه الخصوص، بطريقة تخلو من الاحترافية، وهى عبر تجديد تصريحها بسودانية حلايب وشلاتين هذه المرة تعمل ببيت الشعر العربى القائل :- ( إياك أعنى فاسمعى يا جارة ) ، فهى وإن خاطبت مصر مباشرةً إلا أن رسالتها الفعلية موجهة إلى المملكة العربية السعودية، وفى ظل هذه الظروف التى تمر بها الحكومة السودانية، والإقتصادية على وجه التحديد،  فإننى لا أستبعد أبدا أن تبدأ الحكومة فى الأيام القادمة فى توجيه عدة رسائل للسعودية كرد فعل لما حدث، وأولها مغازلة إيران، عندها سيكون الرد السعودى غير متوقع، فدخول الحمام ليس كالخروج منه، وينبغي أن لا تنسى الحكومة السودانية أن أصلها حكومة إخوانية ،مهما كان حجم التنازلات والإصلاحات التى قامت بها ، وأن التعامل الدولى معها يأتى متمرحلا بقدر ما تقدمه  (وفقا لتقديرات المجتمع الدولى لتلك التنازلات والإصلاحات )، لا بقدر أمانيها هى ، ورؤيتها الخاصة لحجم تنازلاتها. وبالتالى،  وإلى أن تتمكن من نزع الرداء الاخوانى بالكامل، ما عليها إلا اللجوء للتحكيم الدولى فى شأن المنطقتين، لأن المفاوضات الودية لن تثمر عن شئ طالما أن مصر مسنودة بالسعودية.

         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق