الجمعة، 3 يوليو 2015

هل يولد الإرهابي إرهابيا أم هو مسخ الغضب الاجتماعي



“لماذا يفجّر الإرهابي نفسه وهو منتشٍ فرحا؟” السؤال السابق يمثل العنوان الفرعي للكتاب الجديد الذي أصدره الباحث العراقي إبراهيم الحيدري بعنوان “سوسيولوجيا العنف والإرهاب” عن دار الساقي هذا العام، فيه يسعى الحيدري إلى تكوين رؤية تاريخية وسوسيولوجية مرتبطة بالعنف والإرهاب، وجذور هاتين الظاهرتين سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الفكري.
يسعى إبراهيم الحيدري في الأقسام الأولى من كتابه “سوسيولوجيا العنف والإرهاب” إلى تحديد ماهيّة العنف وعلاقته بالإرهاب وعلاقة كل منهما بالسلطة والدولة، من وجهة نظر سوسويولجية، حيث يدرس الأفكار التي تتناول سلطة الدولة ودور العنف في تكوينها بوصفها الكيان الشرعي الوحيد الذي يحق له ممارسة العنف تحت ظل القانون.
كما يسعى إلى دراسة مفهوم العنف سواء في الطبيعة الحيوانيّة أو البشرية، واستعراض النظريات المختلفة التي تفسر العنف وجذوره سواء تلك البيولوجيّة أو الاجتماعية، لينتقل بعدها إلى مفهوم الإرهاب وتاريخه، وعلاقته بالسلطة وبالتنظيمات المختلفة محاولا أن يقيم حدودا فاصلة بين الحركات السياسية الثورية وبين الإرهاب عبر العودة إلى النموذج الفكري والاجتماعي الذي أدّى إلى نشأة كل منهما، ليستحضر أمثلة مختلفة لكلا الحالتين سواء من التاريخ أو من الأحداث المعاصرة، يستطرد بعدها الحيدري في تصنيف أنواع التنظيمات التي تستخدم العنف سواء كان هذا العنف صادرا من قبل الدولة وصولا للانقلابات العسكرية أو الجريمة المنظمة وحروب العصابات، في سبيل إيضاح المفاهيم المتعلقة بها وطبيعة العنف الذي تمارسه.
الثقافة في مواجهة العنف
ينتقل الحيدري لاحقا إلى الآراء المرتبطة بالعنف في الإسلام ثم نظريات العقد الاجتماعي وتفسيرات العنف المختلفة التي تبرر فحوى العمل العنيف وأساليبه ومدى فائدته، كما يستعرض الآراء المعاصرة كأفكار كارل ماركس وسيغمون فرويد ثم جاك لاكان وهابربماس وميشيل فوكو، ليقدم نظرة أنطولوجية واسعة عن المفاهيم المختلفة المتعلقة بالعنف وعلاقته مع النظام السياسي/ السلطة، سواء كان هذا العنف نابعا منها أو موجها ضدها.

يتناول الحيدري في الفصل الثالث مفهوم الأصولية والتشدد الديني وظهور التيارات النابعة من القراءات المتمسكة بالمعنى الحرفي للنص سواء في الشرق أو الغرب، إذ يستعرض تاريخها وأبرز أفكارها ومفكريها والحركات التي تؤمن بها وامتدادها على مستوى العالم، بالإضافة إلى علاقة هذه الأصولية بالممارسة السياسية والاجتماعية وموقفها من الدول المعاصرة في سبيل تحديد طيف انتشارها والتعريف بها لتجنب الخلط بينها ولوم طرف على حساب آخر، فالأصولية لا تقتصر على الشرق، بل نراها منتشرة في الغرب أيضا في أميركا وأوروبا على حدّ سواء، ولا ترتبط بدين واحد بل هي تعصب ناتج عن تغيرات سياسية وفكرية ويمكن تلخيص منشئها بالقراءة الأحادية للنص الديني -مهما كان هذا الدين- والابتعاد عن التأويل وذلك من موقف رافض لطبيعة العصر الحالي والحداثة المرتبطة به والأنساق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يحويها.أمّا في الفصل الثاني المعنون بـالثقافة والعنف، يسعى الحيدري إلى التأسيس لدور الثقافة في مواجهة العنف وبصورة أدق الوعي بهذا العنف وكشف مواطنه في سبيل تجاوزه والوعي بوجوده ثم يشرح بعدها أنواعه سواء كان العنف المضاد أو الديني أو الجنسي أو الرمزي وعلاقته مع الثقافة والتربيّة.

تحديد علاقة العنف والإرهاب بالسلطة
مفهوم التسامح
يتجه بعدها الحيدري نحو الإرهاب بمفهومه الاجتماعي حيث يتناول الأسباب التي أدّت إلى توسع تنظيم دولة الإسلام ومحاولة تحليل الدوافع النفسية التي تجعل الأفراد ينضمون إلى التنظيمات الجهادية والأصوليّة، ويعرّج الحيدري بعدها على مفهوم “صدمة الحداثة” التي أصابت الشرق والتي بدأت منذ الاحتلال الفرنسي لمصر، إذ جاء الغرب بالتقنيات الحديثة والمعارف المجهولة للعرب، ما جعل الحداثة تنتشر في المنطقة لكن عبر منتجاتها المادية فقط لا عبر البنى الفكرية والديمقراطية التي أدّت إلى ظهورها، ما جعل الفكر العربي يعيش على حدود حضارتين وصراع بين الثقل التاريخي والفكري الذي يمثله الشرق مهد الديانات، والاندفاع نحو المستقبل والتقانة الذي يمثله الغرب، ما جعل الشخصية العربية تتعرض لهزّة ترتبط بوجودها، إذ لم تتشكل قطيعة كاملة مع الماضي، بالتالي نشأت الأفكار الأصولية في محاولة الحفاظ على الهوية بسبب العجز عن مواكبة الركب الحداثي.
يتناول بعدها الحيدري مفاهيم العنف المرتبطة بالإسلام الآن، والصورة الاستشراقية التي تكوّنت عن العربي المسلم بوصفه عدوّا للغرب، ومساهمة المؤسسات والمسلمين أنفسهم أحيانا في بناء هذه الصورة عبر ردود أفعالهم المختلفة تجاه بعض القضايا، وإشكالية التعميم التي جعلت صورة فئة من المتعصبين تطغى على كافة العرب/ المسلمين، وظهور مفهوم الإسلاموفوبيا الذي تمّ تعميمه على الشرق وقاطنيه.
يطرح الحيدري في نهاية الكتاب فكرة “ثقافة التسامح” والتطور التاريخي لمفهوم التسامح في الأديان المختلفة وفي التاريخ أو عبر الممارسات الفعلية المعاصرة كتجربة غاندي ونيلسون مانديلا، كما يستعرض الانتقادات الموجهة لهذا المفهوم من قبل جاك دريدا أو إيمانويل كنط وغيرهما من المفكرين، لينتهي الكتاب باستعراض للمحاولات المعاصرة لترسيخ مفهوم التسامح والمتمثلة لدى الأمم المتحدة والبيانات التي أصدرتها كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونص إعلان مبادئ التسامح.
العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق