الخرطوم – الزين عثمان
تخرج الورقة من قلب الخرطوم تحمل ترويسة (مركز كاشا لبناء القدرات وصد النزاعات وتعزيز السلام). عبد الحميد موسى كاشا، الذي ترك منصبه كوال معين لشرق دارفور، وقبلها كان قد غادر منصبه كوال منتخب لجنوب دارفور بعد معارك طاحنة مع وزير المالية السابق علي محمود، انتهت بتقديم استقالته. ورقة مركز كاشا تطالب المؤتمر الوطني بضرورة تعيين الولاة بدلاً من انتخابهم. آخر الأوراق الممهورة من قبل الحزب الحاكم تدفع بعبد الحميد موسى كاشا والياً لولاية النيل الأبيض، لكن ثمة سؤال آخر تطرحه شوارع الولاية القريبة من الخرطوم والمتاخمة في الوقت نفسه لدولة الجنوب؛ هل ستكتب لها السعادة عبر الروشتة القادمة من الضعين؟
عبد الرحيم محمد حسين للخرطوم، ومحمد طاهر ايلا للجزيرة، وكاشا يسبح في النيل الأبيض، يضع البعض ثلاثية مفاجأة التشكيل في الأسماء أعلاه، ويزيد الأمر حين يتعلق بوالي النيل الأبيض، فكاشا في آخر أحاديثه كان يبدو زاهداً في العودة للعمل التنفيذي مكتفياً بالجلوس في مكتبه وتقديم الأطروحات التي تعالج المشكلات السياسية والاجتماعية، تحت رايات (الاستقلالية).
عبدالحميد موسى كاشا، المولود في جنوب دارفور بمنطقة سبدو، في محلية بحر العرب جنوب الضعين، تخرج في جامعة بومباي بالهند، ونال الماجستير والدكتوراه من جامعة جوبا السودانية. هو فارس مدينة (ربك) الجديد، وهو الرجل الذي تنتظره الولاية الحبلى بصراعاتها وبمشكلاتها التي لا تنتهي.
صبيحة إعلان الحكومة الجديدة، يخرج عمال مدينة كوستي وموظفوها في مشوارهم اليومي إلى القهوة لاحتساء مشروبهم الصباحي، جدل فوز برشلونة بدوري أبطال أوروبا سرعان ما يتراجع إلى الدرجة الثانية في الاهتمام، فما يحرك جدل الصباح هذه المرة هو أن ثمة رجلاً جديدا سيمسك بمقاليد الأمور في الولاية، وأهم من إمساكه بالمقاليد أن ثمة رجلا آخر غادر المنصب تاركاً خلفه مجموعة من التساؤلات حول طريقة إدارة الولاية وكيفية تسوية التجاوزات، وما مصير الأموال التي تهمس الولاية بأن مبالغ هائلة منها صرفت في غير موضعها؟ يتركون استفهامات الماضي في مكانها وينشدون مستقبلا مختلفا. يستعيد أهل كوستي لغة وصلهم الخاصة ويعلنونها (الجديد شديد)، لكن أشديد على المتجاوزين أم أن شدة أخرى على مواطني النيل الأبيض الاستعداد لمواجهتها؟ ينفض اجتماع الصباح وتبدأ رحلة النهار في اتجاه (شجرة الجرايد)، يحمل أحدهم نسخته ويبتسم حين يقرأ: (كاشا والياً للنيل الأبيض)، يؤكد أن ابتسامته ليس مصدرها القادم الجديد، وإنما مصدرها مغادرة الوالي السابق وانتقاله إلى مرحلة التاريخ، وربما هي النقطة التي يرى سكان أكبر مدن الولاية أن على الجديد الانطلاق منها في اتجاه المستقبل.
يرحب مواطنو الولاية بحاكمهم الجديد، لكن في غمرة ترحيبهم بدوا وكأنهم يضعون للقادم من خارج حدود الولاية خطة العبور إلى الأمام، يطالبونه أولاً بإبعاد (الكباتن)، وهي حالة خاصة شهدتها ولاية النيل الأبيض في الفترات السابقة، وذلك بوجود مجموعة تحاول التأثير على الوالي من أجل تحقيق تطلعاتها الخاصة، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة، في هذا السياق يعتبر أحد أعضاء المجلس التشريعي في الولاية أنه لو نجح الوالي كاشا في تحجيم هذه السيطرة فإنه يكون قد وضع المدماك الأول في مشروع نجاحه. لكن التقليل من حدة سيطرة (رجال كل الولاة) بحسب التعبير المحلي، لا تعني بالضرورة تحقيق النجاح في الولاية، فثمة مشكلات متعددة ستواجه الرجل الذي يرى البعض أنه يحمل عوامل نجاحه في سيارته، فالرجل يبدو بعيداً عن حالة الصراع والاستقطاب بين المجموعات المتساكنة في الولاية، ففي وقت سابق بدأ يصعد للسطح الصراع المتعلق بجنوب وشمال الولاية وطالما أن الرجل بعيد عن كل هؤلاء فإن نجاحه يبدو قريباً مقارنة بصعود شخص آخر ومن بنية الولاية السكانية، وهو الأمر الذي يتواءم وأطروحات معالجة الاختلالات العرقية بتولي ولاة من خارج الولاية أمور إدارتها، وهو ما يبدو ماثلاً في حالة كاشا الذي لن يجد نفسه غريباً في النيل الأبيض، الذي يتميز بحالة تعدد سكاني، ويمثل حالة سودان مصغر.
لكن تبدو هذه الأمور غير ذات جدوى عند المواطن يوسف عبد الرحمن، الذي يقول إن كاشا جاء خادماً لنا وطالما أنه خادمنا فمن حقنا أن نبلغه باحتياجاتنا الأساسية ليعلم القادم أن قرى كثيرة داخل حدود ولايته لا تصلها المياه وليكن عالماً بأن شبكة مياه مدينة كوستي تنقل الطين إلى المواسير وأن شبكة مياه ربك خارج التغطية وأن الجسر الجديد لمدينة الدويم لا يخفي صورة الحياة البائسة داخل المدينة وأن البصات السياحية التي تمضي في الطريق القومي المهترئ تحمل المرضى للعلاج في الخرطوم فالمستشفيات هنا تبدو لافتات أكثر منها مشافي تعالج، وأن الحياة في ولاية (السكر) تحمل في داخلها مرارات لا تنتهي. يضيف أن الحياة علمتهم أن كل قادم جديد يحمل معه الخير، والتجربة أخبرتهم بأن زامر الحي لا يطرب في بحر أبيض.
مرافعة الرجل تمتحن مقدرات الوالي الجديد، سيرته قد تبدو مدخلاً يمكن البناء عليه في انتظار القادم، كاشا الذي عرف الوزارة عبر التجارة وعرف الولاية بين أهله وعشيرته في دارفور، ينتقل الآن من بحر العرب إلى بحر أبيض مدعوماً بتجربته السابقة وبدعم المركز وقيادة الحزب بحالة تبدو قريبة من الإجماع في حصوله على المنصب، يضاف إليه أن المعين والياً على بحر أبيض تضعه تصاريف الأقدار أمام تنفيذ مقترحه والانتقال بعملية الحكم من حالة اللا استقرار الناتجة عن الانتخاب إلى حالة الاستقرار المكتوب عليها (صنع بالتعيين).
كاشا الذي يقول إنه هلالابي بالميلاد يفرض عليه المنصب الجديد باعتباره حاكماً لبحر أبيض أن يبدل انتماءه لتشجيع المريخ والرابطة كوستي باعتبارهما الناديين اللذين يمثلان ولايته الجديدة، في المقابل فإن على الوالي أن يحقق أهدافه الخاصة في الملعب الذي يحيط بالنيل والسكر والتحديات
اليوم التالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق