الاثنين، 29 يونيو 2015

هل يحق للسودانيين الحديث عن رئيس «احتياطي»؟

محجوب حسين

على غير المألوف، لم يحبس السودانيون أنفاسهم، بل أطلقوا العنان بدرجة غير مسبوقة لمشاعرهم كي تعبر وبشكل عفوي، حيث الاهازيج والزغاريد، استعدادا وترتيبا لمسيرات هادرة، كخلاص إنساني لشعب يعيش تحت احتلال رئيس مأزوم في محنة، ومن خلالها ينتج مجموع سياساته ضد نفسه والآخرين ومعهما الوطن. هذه الحالة من المشاعر العفوية جاءت معاكسة بالطبع لحلفاء وشركاء الرئيس السوداني، سواء من صنف العاملين أو المتورطين معه ضمن منظومة فساد وإفساد وطنية وإقليمية، نالت كثيرا من التاريخ السوداني.
وقعت هذه المفارقة عندما ثبت وتبين أن حاكم السودان الذي بأمره كل شيء، قاب قوسين أو ادنى من الوقوع في شباك العدالة الدولية، بسبب جرائم ارتكبها في حق الشعب السوداني، جراء الانحراف الحاد للوعي العصبوي الأيديولوجي الذي يحكم فلسفته الوجودية ونسق بقائه.
الامر يتعلق بفصول لفيلم مثير يتمثل في «هروب رئيس أفريقي شرير» من حكم قضائي لأحد قضاة المحكمة العليا في» بريتوريا» بجمهورية جنوب افريقيا، حيث قرر القاضي التحفظ عليه لمدة أربع وعشرين ساعة، إثر دعوى قضائية «لمركز التقاضي» بجنوب افريقيا، إلى حين البت في الدعوى المرفوعة ضد المتهم/ الرئيس، التي بموجبها قرر القاضي رفع الحصانة السيادية عنه وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية. 
المشاهد والأحداث التي وقعت في المساحة الزمنية، بين ليلة التحفظ القضائي الى نهار التخفي والهروب جوا، التي نقلها عدد من الصحف المحلية والدولية ووكالات الأنباء والقنوات العالمية في مانشيت إعلامي، تصلح وقائعه لفيلم سينمائي، إن وجد من يتلقفه من كتاب نصوص الدراما السينمائية، خصوصا أن الحدث يحمل قيما عدلية وقانونية وإنسانية واخلاقية، وكان محط وقوعه جنوب افريقيا، مكان الأيقونة والثيمة الانسانية نيسلون مانديلا. هكذا أصبحت جنوب افريقيا تحمل في ذاكرة الشعب السوداني حدثين، أولهما، تراث الزعيم الخالد مانديلا في الحرية والعدالة والتحرر والمساواة والمصالحة، وثانيهما، إقرار حكم القانون والعدالة والمؤسسات التي أرساها القائد الرمز، حيث كادت أن تجلب أحد أهم مجرمي القارة الافريقية في العصر الحديث إلى العدالة، لولا تورط الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، الذي لعب دورا دورا بارزا في تهريبه بتعاون مع أجهزته الأمنية والدفاعية وبمسوغات سياسية غير قانونية، غير عابئ بما يشكله له في الامد المنظور من انتحار سياسي، أمام مؤسسات الدولة الديمقراطية التي تجاهلت الأحكام القضائية وانتهكت دستور البلاد.
سيناريو فرار البشير، الذي لا يمكن أن تطأ قدماه مرة ثانية جنوب افريقيا، كشأن العديد من الدول، بحكم سريان نفاذ الحكم بالقبض عليه وتسليمه، هذا الحدث في شكله ومحتواه سبب آذى كبيرا للسواد العام وجرحا للكبرياء السودانية، بدون أن يعي «رمز السيادة»، شيئا مما ألحقه من آذى واحتقار للذات الجمعية السودانية. كيف لرئيس لم تمض إلا أسابيع، فيها رشح وصوت على نفسه بدون منازع أو منافس، وأحرز ما نسبته، وفق لجانه الانتخابية، أكثر من 90 في المئة، مؤديا القسم الدستورية بأنه سوف «يحفظ ويرعى الأمن السوداني»، أن يحفظ أمن الآخرين في الداخل، بينما لا يستطيع أن يحفظ أمنه هو في الخارج؟
إضافة إلى أنه لم يعقد مؤتمرا صحافيا يوضح للشعب ملابسات ما جرى له بصدق. كما يلاحظ في هذه المأساة أنه لم يتضامن معه أي أحد، كل عواصم ومؤسسات القرار العالمي طالبت جنوب أفريقيا بتسليمه، والأمم المتحدة طالبت على لسان أمينها بان كي مون، فيما صمتت الجامعة العربية وكل الدول العربية الحليفة والمعادية والعادية، ليتشكل الموقف في تطابق الإرادتين الوطنية الداخلية والدولية، ويأتي هذا رغم تقاطعات الداخل وأزمات جغرافيته السياسية، وكذا العالمي في شقه الإقليمي أو الدولي أو المؤسساتي الذي تحركه موازين القوى وعُرف محددات مصالحه.
أهم أمر كشفته هذه العملية، أن معركة القبض على الرئيس هي معركة دفوعات قانونية في دول تحترم مؤسساتها الدستورية والقانونية، وتبين لنا جليا في هذا السياق إبان وجودنا في «لاهاي»، مقر المحكمة وفي اليوم ذاته، بناء على توصية أحد قيادات حركة العدل والمساواة في جنوب أفريقيا، حيث كان حضور أعضاء الحركة لافتا في مقر المحكمة، ومقابلتهم المتحدثة الرسمية للمحكمة، التي قطعت عطلتها الأسبوعية لمتابعة مجريات الأمر من جوهانسبيرغ، حيث كانت متفائلة وبتحفظ شديد، كل هذا دفعنا إلى تشكيل لجنة مشتركة مع ذوي الضحايا المنتشرين في أصقاع العالم، بتوكيل محام أوروبي، ليتولى متابعة الرئيس في كل محطات زياراته الدولية، زائدا الدول التي يطلب عبور مجالها الجوي، وأن يقوم برفع دعوى قانونية، باعتباره وكيلا عن الضحايا، إلى المؤسسات القضائية لهذا البلد أو ذاك، على شرط أن تتوفر في الدولة شروط النزاهة القانونية والشروط الشكلية والموضوعية الأخرى المتعلقة بتوقيعها على ميثاق روما أولا، هذا قد يسهل مساعي المحكمة ويدفع بالمجتمع الدولي في مجلس الأمن أو مراكز القرار العالمي إلى الالتزام بمسؤولياتهم تجاه الأمن والسلم في السودان.
أخيرا، يجدر القول إن وضع الرئيس السوداني، رغم تجديد شرعنته، يبقى رئيسا فاقدا للأهلية السياسية والقانونية. ومعلوم أن محنة الرئيس الشخصية انعكست على البلاد ومست كل الجوانب، وارتقى أمر المحكمة لأحد أهم بنود الأجندة الوطنية. إن عتماد هذا البند من طرف القوي الوطنية الديمقراطية السودانية المقاومة مدنيا وعسكريا قد يحرق المراحل سريعا وبأقل الخسائر.
السلطة السودانية تعيش اليوم حالة فراغ حقيقي، فهل يمكن للسودانيين أن يبحثوا عن رئيس «احتياطي» أسوة بلاعبي كرة القدم، حتى لا أقول نائبا أول أو ثان.


محجوب حسين
كاتب سوداني مقيم في لندن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق