الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

لم يرد أن ينظر إلينا في موته!


هاشم كرار

لكأنما "ايلان" التركي، أراد ميتة-هكذا- ليصفع ضمير هذا العالم اللامبالي!
 انزلق من بين ساعدي أبيه، وتخاطفته الأمواج- موجة تحتشد إلى أعلى وأخرى تحتشد إلى أسفل- والدنيا في عينيه الحلوتين عباب، وظلم، وظلام.
 من قال إن الأطفال، لا يحسون الظلم؟
انشرق أولا بالماء الملح الأجاج. إمتلأت بطنه، لكنه قبل أن تخالط الملوحة روحه الطاهرة، تماما، راح يزفر، ويستشيط لعنات.
 من قال إن الأطفال لا يلعنون؟ من قال إنهم لا يستشيطون لعنات، وهُم بين موجة تعلو، وموجة تخفض رأسها، وبين الموجتين غياهب ظلمة، ولطمات؟
 تخيلته يلعنُ الأسد، والبغدادي، وأباطرة الحرب، ويلعن الفيتو- الروسي الصيني- المزدوج.. ويلعن الكوري القصير، ومجلس الأمن، والأمم، ولا يستثني أوباما، ولا أوربا الفتية ولا تلك التي إمتلأ وجهها بالتجاعيد، ولا العرب العاربة ولا المستعربة.. ولا يستثيني أنا، ولا أنت، ولا أي من المخاليق، في هذا العالم.. هذا العالم الذي أصبح فيه حتى الأطفال في النيران، وبين كل موجتين بينهما الهلاك!
 ترحمّت به الحيتان، وأسماك القرش، وترفقت. لم تنهش منه مزعة لحم، لا، ولا نزعت من رأسه سبيبة، ولا من أصابعه ظفرا. لكأنما كل مخلوقات البحر، أرادت أن تسلمه للساحل، مجرد جثة منكفئة على وجهها، لتقول لهذا العالم: " أنظر، أيها الأبله.. أنظر، من أهلكت في غياهب اليم"!
كان "ايلان"، مجرد جثة، منكفئة على وجهها.
 لكأنما أراد هو، أن ينتهي منكفئا هكذا، حتى لا ينظرُ- وهو في موته- إلى قاتله.. هذا العالم الشرير!
 "ايلان"، في ميتته هذه، كان في قمة القرف.
 آه من تلك العين الثالثة: العين التي تكتفي فقط بماهو ظاهر. لو كانت من ( أهل الباطن) أيضا، لكانت قد جسدت كل قرف إيلان، من هذا العالم.. كل قرفه منا، نحن الذين ننظرُ إلى صورته الآن، ونحنُ بين غفلة وخيبة.. ومن بين كل دمعتين من دموع التماسيح!
لكأنما كان ايلان يعرفُ أكذوبتنا. لكأنما كان يعرف كذب دموعنا. لم يرد أن ينظر إلينا في موته!
يااااه، أيتها البشرية.. حتى ايلان - وهو في قمة موته- يعرف كذبنا.. وكذب مشاعرنا وعواطفنا وأحاسيسنا الإنسانية.
آه، لكم فضحنا ايلان، حتى المآقي..
 لكم فضحنا في حياته..ولكم فضحنا، وهو منكفئ على وجهه.. مجرد جثة.. مجرد جثة، أصبحت للفرجة، لا غير!
آه، لكم هو بشع حقا أن يتفرج أي منا، على  ضميره، وهو مثل " ايلان".. مجرد جثة منكفة على وجهها، في الساحل.. ولا.. ولا من  ساحل، مع كل هذا النقص المريع، في المروءة!

آخر لحظة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق