السبت، 12 سبتمبر 2015

الإنسانية تدخل... المتحف!



هاشم كرار

القلم- سائل أو ناشف.. رصاص أو كوبيا- تاريخ، بل هو كان.. أحد أهم أدوات كتابة التاريخ، وكتابة الأسفار العظيمة، والأشعار العظيمة، والحكايات والأقاصيص والسير، والنوادر والطرف والقفشات، ورسائل الغرام، و.. و...
 هل قلت إنه كان؟
 معاذ الله، وهو الذي لا يزال كائنا، يسطرُ، وإن كان يرمقُ- في كثير من الأحايين، " لوحة المفاتيح"، في شئ من الحنق، والغيرة.. بل اللعنة.. ويعزي- إذ يعزي نفسه- شريكة عمره " الورقة" تلك التي  ترمق- الآن-  الشاشات الصغيرة، بمثل مايرمق به القلم،  اللوحة ذات الأزرار العجيبة!
إثنان هما- القلم والورقة- لا يزالان يقاتلان ما استطاعا، يريدان تثبيت مجد وتاريخ، يوشكان أن يصيرا من الغابرين، في زمان النقر بالاصابع العشرة!
تبا لهذه التكنولوجيا، التي تحيلُ أصحاب الأمجاد التاريخية، إلى المتاحف!
 أتخيلهما، يزفران معا.. ويزفر الإبهام والسبابة، والصرير.. وتزفر رائحة الكف،إذ تعانق في نوع غريب من العناق، جسد الورقة  الأملس الصقيل!
 التكنولوجيا، لا قلب لها.. وليس فيها ذرة من رحمة، لو كانت، ماكان التلغراف الآن يتدثر بالغبار- مثلا- ولو كانت، ماكانت العتة قد ضربت- مثلا- الفاكس، أحد أبناء التكنولوجيا نفسها.. التكنولوجيا هذه الهرة، التي تأكل حتى أبنائها!
التكنولوجيا، إمرأة.. بطنها منتفخة دائما إلى الأمام، ما أن تنحسر ، إلا ونتتفخ من جديد: ولادة قيصرية من من وراء ولادة. إمرأة ولود، ما أن يصرخ لها مولود بإكسير الحياة، إلا ويفاجئها مخاض مولود جديد، تتملل رئتيه لصرخة، في زمان شم أول شمة من الهواء!.
 ولادة من بعد ولادة..
 جيل من بعد جيل،
 وتتوالى الأجيال.. كلُ جيل يذهب بالذي قبله، إلى المقابر.. ونحن- البشر- لا نزرف على من مات، دمعة واحدة!
 أنظروا كيف أن قلوبنا نفسها، أصبحت مثل قلب التكنولوجيا، ليس فيها ذرة من رحمة، ولا ذرة من شكر لجيل، في يوم مماته!
 التكنولوجيا، ليست فقط بلا قلب. إنها لا تتآمر فقط على أجيالها هى. إنها تتآمر على النشاط البشري.. بل هى أكثر الكائنات تآمرا على حياة البشر، نفسها!
أنظروا إليها، إنها قد تشابه عليها الخلق، حين " خلقت" ماهو يمشي مثلنا، ويتكلم مثلنا، ويرفع يديه وينزلهما، مثلنا: هذا الإنسان الآلي، الذي احتل جزءا من مصانعنا، ومزارعنا، وبيوتنا، ومدارسنا، ولا يزال يحتل.. ويحتل.. ويتمدد في مناطق أخرى!
غدا، يدخل الإنسان المتحف.. تماما مثل الورقة والقلم.. مثل التلغراف، مثل الفاكس، مثل التلكس، مثل الجيل السابق لهاتفك هذا الذكي، في يدك!
ترى، من يبكي الإنسان الإنسان؟
 لا أحد.. ذلك ببساطة لأن الإنسان الآلى، لا قلب له، على الإطلاق!

آخر لحظة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق