الخميس، 14 أبريل 2016

إقليم حلايب والتهاون الدبلوماسي .. بقلم: دكتور فيصل عبدالرحمن على طه

في مساء السبت 9 أبريل 2016، أصدر مجلس الوزراء بجمهورية مصر العربية بياناً بشأن الاتفاق على تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية. جاء في البيان "أن الاتفاق جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، انعقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود بين البلدين، آخرها ثلاث جولات من شهر ديسمبر 2015 عقب التوقيع على إعلان القاهرة في 30 يوليو 2015".
وجاء فيه أيضاً أن اللجنة "اعتمدت في عملها على قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، والذي تم إخطار الأمم المتحدة به في 2 مايو 1990، وكذلك على الخطابات المتبادلة بين الدولتين خلال نفس العام بالإضافة إلى المرسوم الصادر في 2010 بتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة العربية السعودية".
كما ورد في البيان كذلك أن "التوقيع والتصديق على الاتفاق سيسفر عن تمكين مصر من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية في البحر الأحمر وما توفره من فرص للاستكشاف والتنقيب عن موارد طبيعية إضافية للدولة".
من حقنا أن نسأل، ومن حق القارئ أن يسأل: وأين كانت الدبلوماسية السودانية من كل ما تقدم من تطورات؟ سيكون هذا مدار البحث في هذا المقال، ولكننا سنوطِّئ لهذا البحث بشرحٍ لمنطقة حلايب البحرية.
1- منطقة حلايب البحرية
لحلايب ساحل على البحر الأحمر يمتد إلى مسافة قد تصل إلى حوالي مائة وثمانين كيلومتراً. وسينتج هذا الساحل لإقليم حلايب البري مناطق بحرية تمتد إلى وسط البحر الأحمر. وربما يثبت في مقبل الأيام أن الإقليم البحري لمثلث حلايب له جدوى اقتصادية كبرى لجهة ثرواته الطبيعية الحية وغير الحية. وحتى يكون القارئ غير المتخصص على بينة من الأمر، نذكر هنا أنه وفقاً للقانون الدولي للبحار، فإن الدولة التي تملك السيادة على مثلث حلايب ستكون لها قانوناً مناطق بحرية في الرقعة البحرية المتاخمة لها. فالقاعدة الجوهرية في هذا المجال هي أن الأرض تسيطر على البحر. أي بمعنى أن الحقوق البحرية تُستمد من سيادة الدولة الساحلية على إقليمها البري. ففي قضية تعيين الحدود البحرية بين قطر والبحرين، قالت محكمة العدل الدولية إن الوضع الإقليمي البري ينبغي أن يؤخذ كنقطة البداية لتحديد الحقوق البحرية للدولة الساحلية.

بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ومصر والسودان من أطرافها، ستكون لاقليم حلايب البري مياه داخلية وبحر اقليمي ومنطقة اقتصادية خالصة وجرف قاري، وقد نصت الاتفاقية التي أصبح معظمها الآن عرفاً دولياً على اتساع كل منطقة وطريقة تحديدها وخصائصها القانونية. حسبنا أن نذكر باختصار شديد أن الدولة صاحب السيادة على إقليم حلايب البري ستكون لها سيادة كاملة على المياه الداخلية. وباستثناء حق المرور البرىء المكفول للسفن الأجنبية ستكون لها أيضاً السيادة على البحر الإقليمي. وتشمل هذه السيادة الحيز الجوي فوق البحر الاقليمي وكذلك قاعه وباطن أرضه. وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة ستتمتع تلك الدولة بحقوق سيادية لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية. كما ستكون لها في نفس المنطقة ولاية على إقامة واستعمال الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، وولاية على البحث العلمي البحري وحماية البيئة والحفاظ عليها. أما في الجرف القاري فستمارس تلك الدولة حقوقاً سيادية لاغراض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية التي يحتويها الجرف. ويُقصد بذلك الموارد المعدنية وغيرها من الموارد غير الحية لقاع البحر وما تحته.
نأمل أن يكون ما سقناه في الفقرة الفائتة قد عكس بشكل كافٍ أهمية الإقليم البحري لمنطقة حلايب. ولكن يُؤسف المرء أن يذكر أن هذا الإقليم لا يجد الاهتمام الذي يستحقه من السودان وسندلل على ذلك بوقائع سترد من بعد.
2- قرار رئيس جمهورية مصر رقم (27) لسنة 1990
بمقتضى قرار رئيس جمهورية مصر رقم (27) لسنة 1990 أعلنت مصر عن خطوط الأساس المستقيمة التي تقاس منها المناطق البحرية لجمهورية مصر العربية. نصت المادة الأولى من القرار على أن يبدأ قياس المناطق البحرية الخاضعة لسيادة وولاية مصر بما فيها بحرها الاقليمي من خطوط الأساس المستقيمة التي تصل بين مجموعة النقاط ذات الإحداثيات التي وردت في المادة الثانية من القرار. وقد نصت الفقرة (2) من المادة الثانية على أن تكون الإحداثيات في البحر الأحمر وفقاً للمرفق رقم 2. وبمطالعة هذا المرفق نجد أن الإحداثيات المصرية تشمل في البحر الأحمر ساحل منطقة حلايب وذلك عبر إحداثيات النقاط من 50 إلى 56. ودلالة ذلك على مسألة السيادة على حلايب لا تحتاج مني لشرح أو تفسير. فكما نوَّهنا فإن الأرض تسيطر على البحر. والدولة تحصل على منطقة بحرية من خلال سيادتها على الإقليم البري المواجه. 
ولفائدة القارئ أنوه إلى أن القرار رقم (27) لسنة 1990 منشور في موقع قسم شؤون المحيطات وقانون البحار التابع للأمم المتحدة. لا تتوافر لدي معلومات حول ما إذا كان السودان قد بعــث بمذكرة احتجاج للحكومة المصرية يتحفظ فيها على القرار رقم (27). ولكن يستطيع المرء أن يقطع بأن السودان لم يسجل أي مذكرة تحفظ لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة كما تقتضي الأصول القانونية والدبلوماسية المرعية في مثل هذه الحالات، لأنه إن فعل ذلك فإن تحفظه كان سينشر في موقع شؤون المحيطات وقانون البحار. وسيكون متاحاً للجميع.

3- المفاوضات المصرية - السعودية
في 26/1/1431هـ الموافق 12 يناير 2010 أصدرت المملكة العربية السعودية المرسوم رقم (م/4) لتحديد خطوط الأساس للمناطق البحرية للمملكة في البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي وفق قوائم إحداثيات جغرافية ضمنت في ثلاثة جداول تحمل الأرقام 1 و2 و3. وهذا المرسوم منشور في موقع قسم شؤون المحيطات وقانون البحار.
وبما أن السودان من الدول المشاطئة للبحر الأحمر فمن الطبيعي أن يتوقع المرء أن تعكف الجهة المختصة في السودان على دراسة الإحداثيات الواردة في الجدول رقم 1 المتعلقة بالبحر الأحمر واتخاذ موقف بشأنها حيال الدولة المعنية وتسجيل هذا الموقف لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة. خاصة وأن الحدود البحرية بين السودان والمملكة لم تحدد بعد ولكنهما أبرما في 16 مايو 1974 اتفاقية بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجود في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما.
أما مصر فقد تحفظت على خطوط الأساس السعودية بإعلان بتاريخ 15/9/2010 بعثت به إلى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة ونُشر الإعلان المصري في موقع شؤون المحيطات وقانون البحار. وتكمن أهمية الإعلان المصري في أنه كشف عن مفاوضات تجري بين الحكومتين المصرية والسعودية لتحديد الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأحمر وأن هذا التحديد ربما يشمل المنطقة البحرية لمثلث حلايب. جاء في الفقرة الثانية من الإعلان المصري: "إن جمهورية مصر العربية تعلن بأنها سوف تتعامل مع خطوط الأساس الواردة إحداثياتها الجغرافية في الجدول رقم 1 المرفق بالمرسوم الملكي رقم (م/4) بتاريخ 12 يناير 2010 - المقابلة للساحل المصري في البحر الأحمر شمال خط عرض 22 الذي يمثل الحدود الجنوبية لمصر - بما لا يمس بالموقف المصري في المباحثات الجارية مع الجانب السعودي لتعيين الحدود البحرية بين البلدين".
في ضوء ما أسلفنا فإن المرء كان يتوقع تحركاً دبلوماسياً سريعاً من السودان: كأن تطلب وزارة الخارجية مثلاً توضيحاً من المملكة عن الحدود التي يجري التفاوض بشأنها مع مصر وما إذا كانت تشمل إقليم حلايب، والتحفظ على الإعلان المصري لأنه مؤسس على فرضية أن منطقة حلايب تخضع للسيادة المصرية، والتحفظ كذلك ورفض نتائج أي مفاوضات سعودية - مصرية تقوم على أساس الاعتراف بالسيادة المصرية على حلايب. ومن ثم تضمين الموقف القانوني في مذكرة أو مذكرات وإيداعها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة وطلب تعميمها على الدول الأعضاء ونشرها.
ولكن يبدو أن شيئاً من ذلك لم يحدث. بل أدلى الناطق الرسمي لوزارة الخارجية بتصريح لصحيفة الاهرام اليوم السودانية في 12 يناير 2011 قال فيه "إن معالجة النزاع التاريخي في مثلث حلايب أمر متروك لتقدير وحكمة القيادة السياسية للسودان ومصر. ونبه إلى أن موقف السودان في القضية معلوم وموثق في أضابير الأمم المتحدة. وأكد أن أي اتفاق ثنائي لا يدحض موقف السودان في النزاع القانوني القائم حول خط 22. وقطع خالد موسى بأن أي اتفاق بين دولتين ليست له سلطة نفاذ على طرف ثالث مجاور".
لا خلاف في أن المعاهدة لا تنشئ إلتزامات أو حقوقاً للدول الغير بدون موافقتها. فهذا مبدأ ثابت في القانون الدولي العرفي وقد قننته المادة 34 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969. ولكن إذا مست أو حتى لو كان هناك مجرد احتمال بأن تمس معاهدة ما حقوق طرف ثالث، فإنه ينبغي على هذا الطرف الثالث أن يتدخل لتأكيد حقوقه أو الحفاظ عليها وذلك بالاحتجاج لدى الدولتين المعنيتين وتسجيل موقفه لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة. فلا مجال للسكوت أو عدم الاحتجاج في ظرف يستوجب رد فعل إيجابي للتعبير عن الاعتراض أو الدفاع عن الحقوق. فالقبول الضمني والإذعان ينشأ من السكوت أو عدم الاحتجاج عندما يكون الاحتجاج أو التدخل ضرورياً بل واجباً لحفظ الحقوق.
4- الوضع في إقليم حلايب البري 
إن لمصر الآن وجود عسكري كبير في حلايب يعود تاريخ نشره إلى ديسمبر 1992. ونجد تفصيلاً لذلك في الرسالة التي بعث بها في 27 ديسمبر 1992 وزير خارجية السودان آنذاك علي أحمد سحلول إلى رئيس مجلس الأمن. جاء في تلك الرسالة أن القوات المصرية توغلت بتاريخ 9 ديسمبر 1992 في الأراضي السودانية لمسافة 28 كيلومتراً جنوب مدينة حلايب السودانية في محافظة حلايب، وعلى الطريق الذي يربطها بميناء بورتسودان. كما جاء فيها أن تلك القوات أقامت عدة معسكرات في الأراضي السودانية. وجاء في مذكرة السودان كذلك أنه في مساء نفس يوم 9 ديسمبر تقدمت قوة مصرية أخرى مكونة من ستمائة جندي وضابط داخل الأراضي السودانية واستقرت على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب مدينة حلايب وفرضت حصاراً كاملاً على المدينة وأحاطت بنقاط عسكرية سودانية كانت موجودة في المنطقة. وقد توقفت تلك القوة عند خط 22 وأقامت على طول الخط عدداً من المعسكرات وعلامات حدودية كُتِب على جنوبها الجغرافي السودان وعلى شمالها مصر.
رد وزير خارجية مصر آنذاك عمرو موسى في رسائل بتاريخ 3 و14 يناير 1993 إلى رئيس مجلس الأمن على الرسالة السودانية. ففي إحداهما رفض عمرو موسى ما وصفها بالادعاءات التي تضمنتها رسالة سحلول واعتبرها مساساً بسيادة مصر على أراضيها. وشدد على أن مصر لم تنقطع عن ممارسة سيادتها على المنطقة الإدارية الواقعة شمال خط العرض 22 منذ توقيع وفاق 1899. وأبرز من مظاهر تلك السيادة ما يلي:
•    الوجود المصري الأمني والإداري في المنطقة بكل صوره.
•    مسؤولية مصر عن اصدار القرارت الخاصة بالتنقيب على المعادن في المنطقة للشركات المصرية والسودانية على السواء علاوة على ممارسة مصر لانشطة تعدينية في المنطقة منذ عام 1915.
•    إنشاء محمية طبيعية في المنطقة بهدف حماية مظاهر الحياة الطبيعية فيها.
•    صدور الخرائط الرسمية لمصر منذ توقيع وفاق عام 1899 موضحاً عليها حدودها الدولية التي يمثلها خط عرض 22.
وفي رسالة أخرى بتاريخ 30 مايو 1993 إلى رئيس مجلس الأمن قال عمرو موسى إن الاختصاصات الادارية المحدودة التي خولتها مصر للسودان في المناطق الواقعة شمال خط عرض 22 هي اختصاصات لا ترقى بحال إلى الدرجة التي تستحق معها صفة أعمال السيادة، ولا تصلح سنداً لاكتساب أية حقوق على الإقليم. وأوضح عمرو موسى أن وجود قوات حرس الحدود على طول الحدود المصرية أمر طبيعي ومن قبيل ممارسة مصر لسيادتها على أراضيها، وتقتضيه في الآونة الأخيرة دواعي حماية الأمن المصري في مواجهة العناصر الإرهابية التي تزايد نشاطها واختراقها للحدود.
يلاحظ مما تقدم ما يلي: 
(أ) لم يطلب السودان دعوة مجلس الأمن للأنعقاد لمناقشة الأحتلال العسكري المصري لحلايب ووضع علامات حدود احادية على خط درجة 22 شمال.  علماً بأن قائمة المسائل المعروضة على المجلس لا تزال تشمل البند رقم 6 "رسالة مؤرخة في 20 شباط / فبراير 1958 موجهة إلى الأمين العام من مندوب السودان". ونحسب أن بعثة السودان الدائمة في نيويورك تواظب على تجديد البند رقم 6 وفقا للمطلوبات الإجرائية. 
(ب) لم يتبع السودان مذكرته بتاريخ 27 ديسمبر 1992 بمذكرة اخرى يفند فيها الأدعاءات المصرية على مثلث حلايب التي وردت في رسائل عمرو موسى بتواريخ 3 و 14 يناير و 30 مايو 1993.
5- عود على بدء
وقفنا من خلال الفقرات الفائتة على الآتي:
1.    أن إحداثيات خطوط  الأساس المستقيمة التي نصَّ عليها قرار رئيس جمهورية مصر رقم 27 لسنة 1990 شملت ساحل حلايب وذلك عبر إحداثيات النقاط من 50 إلى 56. مما يعني أن مصر اعتبرت إقليم حلايب البري خاضعاً لسيادتها. فالمبدأ في القانون الدولي للبحار أن الدولة تحصل على منطقة بحرية بحكم سيادتها على الإقليم البري المواجه للبحر. فالأرض تسيطر على البحر.
2.    تحفظت مصر على خطوط الأساس المستقيمة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية في عام 2010، وأعلنت مصر أنها ستتعامل مع خطوط الأساس السعودية المقابلة للساحل المصري شمال خط عرض 22 درجة الذي يمثل الحدود الجنوبية لمصر – بما لا يمس بالموقف المصري في المباحثات الجارية بين البلدين لتعيين الحدود البحرية.
3.    كما ذكرنا فقد جاء في بيان مجلس الوزراء المصري أن لجنة تعيين الحدود البحرية السعودية – المصرية اعتمدت في عملها على قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 27 لسنة 1990 الذي فصَّلنا بيانه في الفقرة 1 أعلاه.
4.    إن التفسير الواضح لما تقدم أن تعيين الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر شمل منطقة حلايب البحرية مما يعني الاعتراف بالسيادة المصرية على إقليم حلايب. وسيظل هذا التفسير قائماً إلى أن يتم التثبُّت بعد الاطلاع على نص الاتفاق والخرائط الملحقة به من أنه ليس في هذه الوثائق ما يمس صراحةً أو ضمناً مطالبة السودان بالسيادة على إقليم حلايب البري أو يعتدي على منطقته البحرية.

سودانايل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق