الأحد، 7 يونيو 2015

سراييفو.. أصل الحكاية!

 
زرتُ سراييفو.

كان ذلك في نهاية السبعينيات، وكانت البوسنة يومذاك في إطار يوغوسلافيا، وكان معظم العالم لا يزال يغني لـ«باندونغ الفتية» وتيتو ونهرو وعبدالناصر، وكوامي نكروما، وكنياتا... ولكن تلك ليست أصل الحكاية! 

في سراييفو، أصل حكاية أكثر الصراعات دموية في التاريخ، بسبب اغتيال.. وفي سراييفو لا فكاك من أن تقف تترحم على كل الذين تضرجوا بالدم في الحرب العالمية الأولى.. ولا فكاك من أن يقف كل شعر رأسك، وأنت تستعيد سنوات الهول العظيم.

في أحد شوارعها صرّت رصاصة.. رصاصتان، وضرّج الطالب غافريلو برينسيب، ولي عهد النمسا فرانز فريناند، وزوجته، بالدم.

هل كان في ذهن هاتين الرصاصتين، أنهما سيفتحان عالم الرصاص كله، في حرب مجنونة، تأكل نيرانها أكثر من تسعة ملايين روح؟

لا عقل للرصاص، وليس للرصاص الأعمى من قدرة على الشوف، ولا قدرة على الحجا.. ولا من قدرة على التذكر.

كانت الرصاصتان، في 28 يونيو عام 1914، وفي ذات اليوم من الشهر الذي يلي يونيو، أعلنت النمسا الحرب، و»دورت» نيرانها في أوروبا كلها! وقفتُ في ذات شارع الرصاصتين، وكانت رائحة البارود لا تزال تزكم ذاكرتي، ورائحة الدم. ليس مهما أن تعايش الحدث- وبين مولدي وعام الحرب، ما بين القطبين- فللتاريخ كتاب، ولنا عيون وحب استطلاع، ورغبة دفينة للتعايش في كل أزمان التاريخ.. ولنا ذاكرة قديمة، «تتفوتن» ثم تهرم.. تتوكأ قريبا من القبر، ثم تموت مثل كل كائن حي!

لماذا يضع هذا العالم- أحيانا- ذاكرته، على الرف؟

لماذا، لم تورثه الحرب العالمية الأولى، شيئا من الحكمة.. ولماذا لا تورثه الحرب العالمية الثانية، ذات الشيء، والعالمية الثالثة، بدأت تدق طبولها، في أكثر من مكان.. لا الاغتيالات انتهت، ولا الثأرات، والتاريخ.. التاريخ- حين لا يورث الحكمة- يظل يعيد نفسه- دائما- بصورة عبثية؟

هل كانت الرصاصتان، نوعا من العبث؟

قطعا لا.. وفي هذه الدنيا ما يعرف بالنضال، والحق في التحرير. تحررت يوغوسلافيا، بحرب تحرير شعبية، لكن البوسنة أرادت- فيما بعد- أن تتحرر من يوغوسلافيا، وكانت حربها بين العامين 1992 و1995 التي أكلت نيرانها مائة ألف روح. مناسبة الحديث عن أصل الحكاية، أن سراييفو لا تزال أصل الحكاية، والبابا يزورها.. ويصلي من أجل سلام البوسنة، التي تغرق الآن في صراعات دينية وعرقية.

هل كتب على البوسنة، ما أن تخرج من صراع، إلا وتدخل في صراع؟ أحلمُ أن أزور سراييفو، مرة أخرى.. أتمشى في شوارعها الضيقة، أنظر إلى مآذنها النحيلة، وأحوم عينىّ، ربما ألتقط «تانيا»، تلك التي كانت تترجمُ لنا المحاضرات من الصربية إلى الإنجليزية، في المعهد العالمي للصحافة، في بلغراد. آآآآه ياسراييفو.. وترى أين أنت الآن، في خضم كل انقسامات البوسنة، يا... يا ( تانيا)؟!
هاشم كرار
الوطن القطرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق