الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

الدكتور نافع على نافع: “1” الحياة كلها زائفة.. أي زول شعرت بأني أخطأت في حقه بعتذر ليه



 لتوه بدا أن الحديث مع شخصية بضخامة الدكتور نافع علي نافع ليس صعباً ولكن إرغامه على الاعتراف وقول كل شيء هو الأصعب، وبقدر ما أنه بسيط في التعبير عن رؤاه بقدر ما هنالك صرامة في إحكام قفصه الصدري، ولذلك كان يقول لي في نهاية الحوار إنه لن يكتب مذكراته ولن يعرض أسرار الدولة للفرجة.
ها هو اليوم يجلس على مقعد أمانة الأحزاب الأفريقية بفاعلية وبنفس الهندام والملامح ونبرة الصوت، المكان أنيق تداعبه نسمات النيل في (قاردن ستي) ويوحي بالفخامة، لكن ثمة هدوءا ونحولا قد اعتراه، وإن كان من الصعوبة بمكان أن نسقط عليه وصف المحبوب عبد السلام مفاصلتئذٍ: “نافع ملك متوج على حطام مملكة وقائدٌ بغير معركةً”.. بالطبع جاءت سيرة كل شيء الانقلاب وبيوت الأشباح وكارلوس والعلاقة مع علي عثمان والخروج الكبير، وكان الرجل الذي بنى المؤتمر الوطني على صورته ونفخ فيه من روحه، على العهد به دائماً لا يكتم مشاعره، ومما جعل للحوار معه مذاق البرتقال أنه شاهد رأى كل شيء، وربما صنع كل شيء أيضاً، حيث يبدو مفعماً بالحيوية ولا يعوزه التبرير لأيما تناقض تبدى للأسئلة، وقد كان صادقاً في تعابير وجهه، جريئاً لفرط إرباك جهاز التسجيل.. لنتابع الحوار إذن.
حوار – عزمي عبد الرازق
تصوير – حسام النيل

* ابتداءً يا دكتور أنت فظ دائماً مع خصومك السياسيين فهل هي شخصيتك الحقيقية أم هي طبيعة الموقع الذي تقلدته؟

– ليس هنالك فظاظة وإنما هنالك وضوح.

* ما الذي يعنيه الوضوح بتلك الجرأة التي أغضبت الكثيرين؟
– أعتقد أن الوضوح هو دليل على احترامك لمن تخاطب، فتقول له الكلام المباشر الواضح عشان يعرف رأيك وهذا منتهى الاحترام.

* بالنسبة للحوار الرسمي الذي يدور ما بين السياسيين؟
– الحوار الرسمي بين السياسيين أو حتى ما يدور في أجهزة الإعلام ينبغي أن يكون حوارا له ما بعده من فهم الناس لرأيك وقضاياك، ولذلك لا أرى معنى أن لا يكون المرء واضحاً..

* أنت صاحب قاموس مختلف يركز على التحدي منذ (ألحسوا كوعكم) فما قبلها وبعدها؟
– أنا بتكلم على حسب البيئة الأنا موجود فيها موش الجيت منها، والناس البيدعوا إنهم ما بعرفوا كلامي أصلا غير موجه ليهم.

* بعد التجربة الطويلة دي ما بتفتكر إنو السلطة حاجة زائفة؟
-الدنيا كلها حاجة زائفة، وأفتكر الزول البيمارس السلطة والما بمارسها مفترض لا يغفل أن المسألة كلها إلى زوال، والدنيا كلها ما بتستحق أو يعيش فيها الإنسان على أسس ومقاصد تذهب إلى ما بعد الحياة.

* هل فكرت أن تذهب لبعض الشخصيات التي انتقدتها يوما ما أو قسوت عليها لتعتذر لها؟
– والله أنا أي زول شعرت بأني أخطأت في حقه بعتذر ليه، لكن لو ما كان عندي قناعة إني أخطأت بحقه أعتذر في شنو؟

* تجربة الإسلاميين في السلطة عليها ملاحظات وتحفظات حتى داخل الصف الإسلامي ولكن بعيونك أنت كيف تبدو؟
– أفتكر أن التجربة ما تكون قدر الطموح أو أقل من المطلوب فهذه ظاهرة صحية وليس عيب.

* ما الذي تعتقد أنت؟
– الذي يرضى عن أدائه حتى على المستوى الشخصي طموحه قليل وأفقه محدود، ولكن هذا لا يعني عدم النجاح، وهي تجربة ناحجة بكل المقاييس في ظل ظروف ما كان ممكن تجي فيها حركة ناجحة في رأيها وتوجهها وتحقق النجاح.

* ألا تعتقد أن الانقلاب العسكري لحركة تحمل مشروعا فكريا هو أكبر خطيئة؟
– ابداً، فأنت لا يمكن أن تكون أفلاطونيا وغير واقعي، الإنقاذ دي لمن قامت كان أي شخص في السودان يعلم أن هنالك مجموعات تتبارى لاستلام السلطة، والحكومة وقتها زي ما قال الشريف زين العابدين (لو شالها كلب مافي زول بقول ليه جر)..

* الحديث عن تسابق مجموعات أخرى للانقلاب ممكن نفسه يكون مبررا خادعا للانقلاب؟
– المجموعات التي تتصارع كانت مجموعات عندها فكر، ونحن نعلم أنه كانت في مجموعة من البعثيين على وشك أن تقوم بالانقلاب، وكانت في مجموعة يسارية أخرى، وحركة التمرد ذاتها كانت على وشك أن تستلم السودان بتوجهها العنصري العلماني..

* (مقاطعة) إذا كان هنالك خطر بالفعل ألم يكن من الأفضل أن تحموا التجربة الديمقراطية من الانقلاب بدلاً من أن تنقلبوا عليها؟
– أنت لا يمكن أن تحمي من لا يحتمل الحماية، ولكن كيف نحميه! دي قوات مسلحة كانت عايزة تتحرك، إما تتحرك قبلها وتقطع عليها الطريق عشان تحفظ البلد أو تسيل أنهار الدم على طريقة الجماعات نفسها التي تحركت من قبل في أقطار عربية.

* واضح أن الانقلاب نفسه ما كان وسيلة وإنما كان غاية؟
– كيف ذلك؟

* استمرً فترة طويلة من الزمن ولم يتغير شيء، ولم يكن هنالك تداول للسلطة؟
– يعني عايزنا نقعد شهر ونسلمها لآخرين؟

* هنالك رواية تقول إن الترابي نفسه تعرض للخداع، كان من المفترض أن يبقى في السجن شهراً فبقى ستة أشهر؟
– هذا ليس صحيحاً في ما أعلم، وبعد الانقلاب الترابي لم يبق في السجن رغم إرادته، ولكن كان التخطيط أن يبقى تلك الفترة.

* الخلاف بدأ من وقت مبكر وكان هنالك صراع مكتوم؟
– في أي وقت داخل أي حزب في نوع من التيارات المتباينة في رؤيتها، وليس بالضرورة هذا خلاف.

* مذكرة العشرة كان لها ما قبلها مثلاً؟
– إلا ما قبل مذكرة العشرة كان ما يجري داخل الإطار محاولات منطقية جداً ولا أسميها خلافا بالمعنى هذا، ولكن عندما تباينت رؤية الناس في الإصلاح والخطوات اللاحقة سراعاً كان الخلاف.

* دائما كان هنالك تنافس حاد بين المدنيين والعسكريين داخل الإنقاذ.. ثمة من يقول ذلك؟
– هذا خاطئ تماماً، وليس هنالك تنافس بين العسكريين والمدنيين، لأننا تيار فكري بالأساس وليس مجموعة تحالف.

* الدكتور فاروق محمد إبراهيم عنده رسالة شهيرة ذكر فيها أنك أشرف على عملية تعذيبه؟
– والله أقول ليك بصراحة، وقلت الكلام دا قبل كده، وتأسفت جداً أن شخصا مثل فاروق محمد إبراهيم بروفيسور في الجامعة يقول ما يعلم أنه ليس الحقيقة.

* ما الذي حدث بالضبط؟
– أنا والله العظيم لم أر فاروق قط من الإنقاذ جاءت وحتى الآن، إلا تكون صورته في الجرائد.

* ألم يكن أستاذك في الجامعة؟
– كان أستاذ في كلية العلوم جامعة الخرطوم وأنا درست أولى في الخرطوم ومشيت، ولا شايف فيها حرج كونه أستاذي مثل ما هو أستاذ كثيرين.

* لندلف إلى (بيوت الأشباح) هل كانت حقيقية وكنت تشرف عليها؟
– أنا لم أشرف على بيوت أشباح ولا بيوت اعتقالات خارج إطار الجهاز، محلتنا معروفة البنعتقل فيها، وسجن كوبر بعدها.

* الصادق المهدي تحديداً اشتكى بأنه تعرض لتعذيب بدني نفسي تقريباً بعد الانقلاب وتعاملتم معه كمجرم؟
– تعذيب بدني لا يستطيع أن يقول ذلك، أما نفسي فكون الإنقاذ انفجرت أكيد حا يكون معذب نفسياً، وإذا عنده علله النفسية براه أو شعر بأنه ابن الأكرمين الذي لا يُسأل فهذه من علل التربية الطائفية.

* كنت المشرف الفعلي والمباشر على عملية كارلوس ولكنك لم تدل بدلوك فيها؟
– نعم صحيح.

* هل تعتقد أن تسليم كارلوس كان قراراً سليما وقتها؟
– كان سليما طبعاً، ولكن الأهم من كونه سليما أو خطأ فإن الجهاز لم يتعامل مع قضية كارلوس باعتباره معتقلا لديهم.

* إذن كيف كان يتعامل معه؟
– المسألة دي كان فيها تشاور كامل مع القيادة السياسية في كل خطوة، وبالتالي تسليمه إلى فرنسا قرار الحكومة وليس قرار جزء من الحكومة.

* هل ما كُتب ورشح عنه بذلك الوجه السينمائي صحيح؟
– لو تقصد الرواية الأخيرة لم أطلع عليها حتى الآن، فقط سمعت تعليقات عنها، والرواية ليس مطلوبا منها أن تكون تحقيقاً دقيقاً، لكني أعتقد أن كثيرا من المعلومات كان فيه جانب كبير صحيح.

* لماذا دائما تمنحون الغرب أكثر مما تأخدون منه وتعادونه في الظاهر؟
– نحن أقل الدول في العالم الأفريقي والعربي بنعطي بدون ما نأخذ، ولا نعطي إلا ما نقرر فيه مصلحة.

* ما الذي حصلتم عليه من فرنسا مقابل تسليم كارلوس لها؟
– تعاملنا مع فرنسا كان مبنيا على تقرير كامل ذاتي داخلي في أن لنا مصلحة بأن نفعل ما فعلنا.

* ألم يكن في تسليم كارلوس خيانة للقضية الفلسطينية وهو الثائر المتعاطف معها؟
– تعاطفه مع القضية الفلسطينية في حد ذاته كان محل احترام ولكن ليس الذي يتعاطف معك أنت شخصياً أو يتعاطف معي شخصياً يبرر له أن يفعل فيك ما يشاء ويقرر هو ما يريد.

* يقال إن دكتور نافع بنى المؤتمر بتصوره للعمل الحزبي ولذلك كان الحزب يدين لك بالولاء الشخصي الكامل؟
– كونه يدين لي بالولاء الشخصي أو ما يدين دي ذاتها مسألة خلافية.

* ألا تعتقد أن ذلك من وطأة الولاء والسطوة التي دلق حولها مداد كثيف؟– مثل ما قلت هذه مسألة خلافية، وأعتقد أنه إذا كان هنالك رضاء من الناس في عملي معاهم، فالسبب الرئيس أنني محتك كثيراً بالناس، ولا أفتي في أمر إلا بجهة الاختصاص، والإدارة المؤسسية الفيها كثير من الشورى هي التي تكسبك رضاء الناس.

* ثمة من يقول إن المؤتمر الوطني حزب ضخم جداً، أضخم من اللازم في بلد بلا دون تنافس سياسي؟
– بالمفهوم التقليدي للأحزاب نعم، ولكن بالمفهوم الذي نراه ليس كذلك.

* ما الذي ترونه صراحة؟
– نحن نرى أن الأحزاب هي مؤسسات لتنظيم وتثقيف المجتمع، ولدعم المجتمع لينهض، ولذلك لا أبد ان تكون أوسع ما تكون، والذي لا يعرفه الناس أن المؤتمر الوطني مؤسس بطريقة أدعي دائما أن قليلا من الأحزاب في العالم مثله، والأحزاب الموجودة في السودان أحزاب موسمية، تنفض بنهاية الانتخابات.

* ما هي رؤيتكم للعمل الحزبي بالضبط؟
– رؤيتنا للعمل الحزبي ينبغي أن يكون الحزب مؤسسة موجودة، لها دور كبير جداً خارج إطار العمل التنفيذي.

* ولكن يكاد يكون المؤتمر الوطني ذهب بذهاب دكتور نافع؟
– هذا ليس صحيحاً، والفترة التي ذهبت فيها إلى الآن هي ذاتها فترة ليست كافية حتى لو يريد المؤتمر الوطني أن يتلاشى، وهي فترة كانت حافلة بتحديات مباشرة مثل الانتخابات.

* العمل كان يتركز على الانتخابات فقط خلال الفترة الماضية؟
– لأنه كان موسم الانتخابات والعمل لا بد أن يتركز على فترة الانتخابات، وأعتقد أن المؤتمر الوطني لا زال قوياً ولا زال موجوداً..

* لكن الرئيس وصفه بأنه مثل الاتحاد الاشتراكي أو بشكل أدق أبدى مخاوفه بأنه قد يزول بزوال السلطة مثل الاتحاد الاشتراكي؟
– والله هو أبدى مخاوف، لكنني شاعر بأنه من باب الحرص على التجويد وليس أكثر من ذلك، وأنا أفتكر أن الرئيس حا يطمئن إنو المؤتمر الوطني بخير أكثر مما يبدو له.

اليوم التالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق