الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

عوض إبراهيم عوض: الناس كانوا في الماضي على دين ملوكهم ولكنهم الآن على دين إعلامهم


بروف عوض إبراهيم عوض ينتمي إلى مدينة النهود بكردفان، تخصص في الإعلام الذي عشقه منذ الطفولة وحقق فيه ما كان يحلم به بدأت مسيرته الإعلامية منذ نعومة أظافره حين كان عمره 19 سنة واستمرت إلى يومنا هذا، موزعة بين الإذاعة والتلفزيون والصحافة والمجلات، وتأليف الكتب، ثم المواقع الإلكترونية العديدة. كان له شرف أن كان ضمن أول مجموعة سودانية تصنع موقعاً للدردشة في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم وهو موقع Sudan List أي قائمة السودان وهو موقع باللغة الإنجليزية. وقد أسسه الأستاذ علي دينار وهو حفيد السلطان علي دينار ويقيم بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة.
يقول بأن الحياة أعطته أكثر مما كان يتوقع، وحقق الشهرة التي سعي إليها منذ أيام الشباب الأولى، تعلم في مختلف الجامعات حتى نهاية المطاف حيث أحرز ثلاث درجات دكتوراه بدلاً من واحدة، وتدرج في سلك التدرج الأكاديمي بكل شروطه العلمية والأكاديمية فأحرز درجة الأستاذية العليا (البروفيسور) منذ سنوات طويلة وذلك في عُمر أصغر بكثير من العمر الذي ينال فيه الكثيرون هذه الدرجة العليا.. جلسنا إليه وتجاذبنا معه أطراف الحديث حول قضايا اللغة العربية وقضايا ثقافية يجدها القارئ بين السطور التالية:

> تقلدت مناصب عديدة، وعملت بالتدريس، وشاركت في عدة مؤتمرات خارجية وداخلية، وتعد وتقدم برامج تلفزيونية وإذاعية، وأنت عضو في عدد كبير من الهيئات والمنظمات، فكيف توفق بين كل هذه المهام؟
في الواقع إن التوفيق من عند الله. وأنا رجل أحترم الوقت غاية الاحترام ولا أضيع دقيقة من زمني في الفارغة على الإطلاق. وعندي جدول يومي لكل ما أفعله خلال اليوم. ومن خلاله أنفذ الواجبات الملقاة على عاتقي كالتدريس وقراءة الأخبار والالتقاء بطلابي الذين أشرف عليهم في الجامعات المختلفة. وأضع وقتاً للقراءة ووقتاً لأسرتي، ووقتا لالتزاماتي الاجتماعية. ولعل هذا هو السر في أنني أشعر بأني أسعد رجل في هذا الوطن لأنني بكل صراحة حققتُُ كل ما أريد في الوقت الذي أردتُ تحقيقه بالضبط وذلك بالاجتهاد والمثابرة. وأنا الآن أعيش حياتي بمتعة لا تدانيها متعة لأنني متصالح مع نفسي ومتصالح مع واقعي ومع الناس من حولي وليس لي عدو في هذه الدنيا مهما أراد أحدهم أن يجعل من نفسه عدواً لي. وأقول للذين يعيشون في ظل التجهم والقلق والكراهية مع أنفسهم وغيرهم ولا يعرفون إلا النكد والعكننة هونوا على أنفسكم فهذه الحياة لا تحتاج إلى ذلك.

> لماذا اتجهت إلى الإعلام تحديداً؟ وهل لعبت الموهبة دوراً في اقتحامك هذا المجال؟
نعم، فقد اتجهتُ إلى الإعلام لأنه السلاح الأمضى في هذا الزمان. والعلماءُ يقولون: (اعطني إعلاماً أعطك شعباً). كما أن الناس كانوا في الماضي على دين ملوكهم ولكنهم الآن على دين إعلامهم. ولولا الإعلام ماكنت قد حققت كل ما حققته الآن. وأسرتي الكبيرة المنتشرة في كل أنحاء السودان بها الكثير من العلماء والدكاترة والبروفيسورات والقياديين ولكن لا يعرفهم الناس كما يعرفونني وذلك لأنهم لا يعملون في مجال الإعلام.

> كيف هو حال اللغة العربية اليوم؟ وإلى أي مدى تعاني من إخفاقات فيها؟
حال اللغة العربية بصراحة لا يسر، وذلك لجحود أبنائها غير البررة. وهذا يتضح من كثرة الأخطاء النحوية والصرفية والبلاغية التي يقع فيها كثيرٌ من المتحدثين والكُتاب والإذاعيين والزعماء بل وحتى الكثير من الأساتذة في المدارس والمعاهد والجامعات. وللأسف فقد أصبح أمر اللغة العربية في كف عفريت بحكم أن الكثيرين لا يكترثون لما آلت إليه، وبعضهم لا يعلم أنه يرتكب جريمةً في حقها. والبعض الآخر عنده غرضٌ مسبق لهدم هذه اللغة إما لأسباب آيديولوجية ترتبط بنفوره من كل ما يمت للإسلام وثقافه بصلة واللغة العربية قطعاً جزء من ذلك، وإما لتنامي نزعة التغريب التي استفحلت في بعض ضعاف النفوس وضعاف الهوية مما جعلهم ينفرون من اللغة العربية ظناً منهم أن هذه اللغة وهذه الأمة متخلفة ورجعية وهو يريد أن ينسلخ من أي انتماء لها وبأي شكل من الأشكال. وللأسف فإن معظم هذا النوع من أبناء العربية الجاحدين لا يتقنون العربية ولا حتى اللغات التي انبهروا بها وانجذبوا إليها كالإنجليزية والفرنسية أو غيرها. وعلى العموم فإن المعاول قد تزايدت لهدم هذه اللغة. ولكن في المقابل هناك الكثير من الخيرين الأوفياء الذين يقفون بالمرصاد لهؤلاء الأدعياء. وقد أدرك هؤلاء الأوفياء قدر هذه اللغة العربية وعظمتها وأهميتها فآلوا على أنفسهم أن يقفوا بالمرصاد لأعدائها ويحافظوا عليها من كل شرٍ.

> إذن كيف وجدتَ اللغة العربية في الدول التي عملتَ بها كماليزيا مثلاً؟
الغريب أن هذه الدول تحترم العربية أكثر من كثير من أبناء الدول العربية أنفسهم. وهي تسعى لنشرها بين أبنائها بحكم قناعتها بأنها لغة حضارة وفكر وعلم وثقافة ودين. وقد اقتنع الكثير من أبناء هذه الدول بأنهم لن ينالوا حظهم من التراث والفكر الأصيل إلا إذا أتقنوا هذه العربية ونهلوا من معين تراثها الغني بلغته الأصلية التي كُتب بها. وهذا الأمر ينطبق على ماليزيا وإندونيسيا وتركيا ونيجيريا وجزر القمر وغيرها من الدول. بل وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين واليابان قد أصبحت تولي أمر تعليم العربية اهتماماً متزايداً لقناعتها بقيمة هذه اللغة وأهميتها لمستقبل الإنسانية جمعاء. ولعل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والتراث العربي فضلاً عن الأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط برمتها قد كانت سببا أساسياً في اهتمام هذه الدول الكبرى باللغة العربية.

> خريجو الجامعات السودانية هل لغتهم بخير؟ وماذا عن لغة الإعلاميين اليوم؟
بالطبع هناك خريجون متميزون في كل شيء ومنها اللغة فضلاً عن المعلومات وترتيب الأفكار والكاريزما والمقدرة الجيدة على العمل. ولكن في نفس الوقت هناك خريجون تنقصهم كل هذه الأمور. وأذكر في إحدى المرات جاءني أحد الخريجين وهو يريد أن يعمل مذيعاً بالتلفزيون وعندما اختبرته وجدت عنده أخطاء شنيعة في اللغة لو سمعها الأصم لبكى. وعندما طلبتُ منه أن يذهب ويتعلم اللغة بشكل جيد حتى يعرف نحوها وصرفها ومخارج ألفاظها ثم يعود للاختبار فاجأني بأنه يحمل درجة الماجستير في اللغة العربية بتقدير جيد جداً.

> هل تستطيع المناهج التعليمية الحالية وما تشهده من عملية إحلال وإبدال مستمر أن تخرج أجيالاً ذات علم ومعرفة؟
في الواقع ما شهدناه عبر السنوات الأخيرة من انتقادات لاذعة للمناهج ومن تجارب مؤلمة مع الأخطاء الموجودة في كثير من الكتب التي تدرس للطلاب كفيل بأن يجعلنا نفكر جدياً في إيجاد البديل لها. ولعل المقارنات الحادة التي لاحظناها بين خريج الأمس وخريج اليوم تدق ناقوس الخطر بشدة وتجعلنا نفكر في الأمر بجدية وليس بمجرد العواطف والمناكفات التي نقرؤها هنا وهناك. وأحسب أن التربويين الآن قد توصلوا لقناعة تامة هي ضرورة استبدال هذه المناهج وغربلتها. وقد أقامت عدد من الجامعات في الآونة الأخيرة وعلى رأسها جامعة إفريقيا العالمية وجامعة أم درمان الإسلامية بل وحتى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤتمرات متميزة للنظر في أمر هذه المناهج وخرجت بتوصيات مهمة بشأن تغييرها. وأتمنى بوصفي عضوًا في لجنة التأصيل بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومشاركاً في كل هذه المؤتمرات أن يكون أمر الغربلة والتمحيص والتبديل لهذه المناهج على أسس موضوعية صرفة ويشارك فيه أهل الدراية والخبرة فقط، وأن يستبعدوا كل الأسس غير العلمية في هذا الأمر كالسياسة والجهوية والإرضاءات التي أضرت بالسودان كثيراً وكادت أن تقعد به عن أي تقدم لولا عناية الله.

> لا زلنا نكرر أن القراءة والاطلاع أضحت في خبر كان، وأن غياب المكتبات المدرسية ليست دليل عافية، فكيف تقرأ هذا الواقع؟
صحيح أن اهتمام الجيل الحاضر بالقراءة الورقية أقل بكثير من اهتمام الأجيال السابقة. وهذا مكمن الخطر. والمكتبات المدرسية أو الجامعية لا تحل الإشكال بمفردها إذا لم تكن لدى الأفراد رغبة أساسية في القراءة والاطلاع والمدارسة. والتآلف مع الكتاب هو المخرج الوحيد لأنه قائدنا ومعلمنا الأول الذي نهلنا منه كنوز المعرفة وأعاننا طوال سنوات عمرنا. ولكن وسط هذا الواقع المخيف وسيطرة الإلكترونيات والبعد عن القراءة نجدُ شباباً خيرين اهتموا بأمر الكتاب، وأنا شخصياً أشرف على جمعية تسمى (خير جليس) أنشأها عددٌ من الشباب الجامعيين وطلبوا مني أن أكون مشرفاً عليها. وظللنا نلتقي في أحايين كثيرة ونمينا حجم المكتبات، وما زلنا نغذيها بالكتب بفضل نشاط هؤلاء الشباب المبدعين، وظل روادها من الطلبة وشباب المؤسسات التعليمية المختلفة يواظبون على قراءتها بشكل منتظم. وهي خدمة تقدم بالمجان فندعوا كل الشبان والشابات إلينا. وهذه فرصة أن نشكر كل الجهات التي مدت يد العون لجمعية (خير جليس) ونسأل الله أن يجزيهم عنا وعن الجمعية خير الجزاء، ونخص بالشكر العميق مركز راشد دياب الذي أعطى جمعيتنا فرصاً طيبة للوصول إلى الشباب وتوسيع مواعين القراءة.
حوار: هادية قاسم المهدي – الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق