الجمعة، 7 أغسطس 2015

تقرير المراجع العام بالقضارف … عندما تغيب شمس القانون ٢




ارتفاع حجم المخالفات المالية والاعتداء على المال العام بصورة كبيرة
زيادات في (المال السياسي) ومصروفات مكتب الوالي بنسبة (75%)
مبالغ واستقطاعات تحسين البيئة المدرسية لم تجد من يحسن استغلالها


مؤسسة التمويل الأصغر في القضارف عليها ديون متعثرة وفيها أموال مكدسة بينما أخفقت في الحد من الفقر وتمويل الأسر المنتجة وجيوش الشباب العاطلين
عبارة ثابتة تدبج بكل تقرير: (الحسابات الختامية للولاية لم تظهر أية عائدات لاستثمارات حكومة القضارف)

أودع مدير جهاز المراجعة القومي في ولاية القضارف (عبد الرحمن محمد صالح) أمام منضدة المجلس التشريعي الولائي أمس الأول (الإثنين) تقرير المراجعة العامة عن حسابات الولاية للعام (2013) ، وقد لوحظ تصاعد وتيرة الاعتداء على المال العام من (صفر) في العام (2011) في عهد والي القضارف الأسبق (كرم الله عباس الشيخ) إلى (422) مليون جنيه “بالقديم” في عهد الوالي السابق (الضو الماحي)، في الفترة من (1/9/2013) حتى (31/8/2014) بنسبة زيادة بلغت (887%)، فيما كشف تقرير المراجع العام مخالفات مالية بإجمالي (24) مليار جنيه، من بينها صرف دون مستندات مؤيدة، وصرف دون وجه حق، وصرف بموجب فواتير مبدئية، وعهد لم تزل، وعدم إكمال مستندات، وشراء إسبيرات وأثاثات دون لجنة مشتريات، وصرف دون إتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون ولائحة الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض، بجانب مخالفات أخرى.

وعبَّر نواب بالمجلس التشريعي عن استيائهم من تكرار المخالفات وحالات الاعتداء على المال العام، وقال العضو (محمد الشريف الهاشمي) عن قائمة الحزب الاتحادي الديمقراطي “المسجل”: (إن المخالفات المالية ظللت تتكرر وترد في تقرير المراجع العام بصورة دورية، ولو سحبنا أرقام هذه المخالفات من التقارير السابقة للمراجع العام نجدها نفس المخالفات، لكن فقط الرقم يتغير!)، وعزا الهاشمي في مداخلته بمداولات المجلس حول تقرير المراجع العام تكرار المخالفات المالية إلى عدم الاهتمام والتقيد بالقوانين واللوائح المالية والمحاسبية، وأردف (الآن الفساد في الدولة هو فساد إداري في المقام الأول، لعدم التزام المديرين والمسؤولين باللوائح والقوانين)، بينما عبَّر النائب البرلماني عن قائمة المؤتمر الوطني (محمد الطيب البشير) عن أسفه في أن هنالك عبارة ظلت تتصدر أي تقرير للمراجع العام وهي “أن الحسابات الختامية للولاية لا تعبِّر بصورة حقيقية وعادلة عن الموقف المالي للولاية”، ولفت البشير إلى وجود فروقات بالنقصان والزيادة أحيانا في الأرصدة المرحلة بالولاية من عام إلى عام جديد، ونسبت النائبة عن قائمة المرأة بالمؤتمر الوطني (عبادة إبراهيم حامد) المخالفات المالية إلى ما أسمتهم بأصحاب “الأقلام الخضراء”، وقالت في مداخلتها: (المراجعون يقومون بدورهم تماما، والدليل على ذلك هذا التقرير الذي أمامكم، لكن المراجع يبدي ملاحظته حول المسألة بقلمه “الأحمر”، بينما الوزير أو المعتمد بقلمه “الأخضر” يوجه بالصرف).
ومن جهته شدد النائب عن دائرة القضارف الشرقية الثانية (معاوية عمر إدريس) على ضرورة محاسبة المعتدين، وتوقيع أقصى العقوبات عليهم، بدلا من الاكتفاء “بالاسترداد” و”التحلل” _ على حد قوله، وذهب العضو عن دائرة القضارف الشمالية (الصافي العوض) إلى أن الاكتفاء بالمخاطبة بالاسترداد فقط تغري الآخرين بالوقوع في المخالفات.
ومن جانبه أكد رئيس مجلس تشريعي ولاية القضارف محمد عبد الله المرضي أن توجيهات المجلس تنص على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية في مواجهة المعتدين والمخالفين، وقطع المرضي بأن المجلس لن يحمي أحدا من تطبيق القانون، فيما شدد المراجع العام في القضارف عبد الرحمن صالح على ضرورة تفعيل عناصر الرقابة الداخلية في الوحدات والمؤسسات الحكومية، وأقرَّ بالضعف في تطبيق اللوائح بالوحدات الحكومية، ونبه مدير جهاز المراجعة القومي في القضارف إلى أهمية التدريب المستمر للكوادر المحاسبية والإدارية، وتفعيل عنصري الرقابة المحاسبية والإدارية “رقابة مزدوجة لإثبات العمليات المالية”، وتوسيع نطاق عمل المراجعة والالتزام بتقاريرها، وتفعيل عنصر الضبط الداخلي، بتحديد الوصف الوظيفي للعاملين، ومراجعة المنشورات واللوائح ومدى كفايتها، والجرد المفاجئ، وإعداد سجل للأصول غير المالية.


مكتب الوالي..
صرف مكتب والي القضارف “السابق” في العام (2013) مبلغ (4,6) مليار جنيه من اعتماد أساس قدره (2,4) مليار جنيه، بعد أن تم رفع اعتماد مصروفات مكتب الوالي إلى مبلغ (1,8) مليار جنيه، بنسبة زيادة قدرها (75%) من الاعتماد الأساس، خصما على بند (شراء السلع والخدمات) الممركز في وزارة المالية، وكشف تقرير جهاز المراجعة القومي في ولاية القضارف عن حسابات الولاية للعام (2013) بأنه قد تم زيادة بند المال السياسي لمكتب الوالي إلى مبلغ (مليار ومئة وخمسين مليون جنيه) ليرتفع مبلغ المال السياسي لمكتب الوالي من (مليار ومئة مليون جنيه) إلى (مليار ومائتين وخسمين مليون جنيه)، كما تم تعديل مال العمل الأمني لمكتب الوالي من (800) مليون جنيه إلى (مليار وأربعمائة وخمسين جنيها) بالخصم على بند شراء السلع والخدمات، ويلفت المراجع إلى ضرورة وضع تقديرات واقعية للعمل الأمني يراعى فيها وضع الولاية الحدودي، وكشف تقرير المراجع العام أن نسبة التنفيذ في الصرف بمكتب والي القضارف بلغت (97,9%) من إجمالي الاعتمادات المقررة بعد التعديل، وتم صرف مبلغ (417) مليون جنيه لمكتب الوالي إضافة إلى ذلك الصرف خصما على المصروفات الممركزة في وزارة المالية بالولاية، وقد عولجت هذه المبالغ فيما بعد بحسابات الدائنين، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التنفيذ في الصرف بمكتب والي القضارف إلى (107%)، وكان تقرير المراجع القومي (مازن عبد القيوم) قد كشف وجود تجاوزات في مال بعض الولاة في الولايات، من بينها ولاية القضارف، وقال المراجع: إن معظم المال المخصص لمكتب الوالي يذهب عبر “بند الدعم الاجتماعي”، فيما أوصى المراجع العام في القضارف بوضع سقف للتحويلات من بند إلى بند آخر من قبل المجلس التشريعي، وأن يتم الحصول على موافقة المجلس عند الحاجة إلى نقل اعتمادات تتجاوز هذه السقوف.
البيئة المدرسية..
أظهرت حسابات المدينين مبلغ (1,24) مليار جنيه باسم “تحسين البيئة المدرسية” وهي تمثل (1%) من إجمالي التحويلات الجارية يتم خصمها شهريا بواسطة مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات “القومية” إلا أن الولاية لم تستغل هذا الاستقطاع بالصورة المطلوبة، مما يؤدي إلى عدم تحقيق الهدف الذي من أجله تم استقطاع هذا المبلغ وهو تحسين البيئة المدرسية، والصرف في غير الأوجه المحددة للصرف، وطالب المراجع بالاستفادة من هذا الاستقطاع في الغرض المحدد له، وعدم وضعه فترات طويلة في حسابات الدائنين فتنخفض قيمته الشرائية، أو يستغل في أوجه صرف أخرى غير الغرض الذي خصص له، في وقت تعاني فيه مدارس الولاية أوضاعا قاسية ومحزنة في بيئتها المدرسية.
مؤسسات متعثرة..
وكشف تقرير جهاز المراجعة القومي في القضارف مديونيات بقيمة (1,7) مليار جنيه على مؤسسة القضارف للتمويل الأصغر والتنمية الاجتماعية، من ضمن هذه المديونيات مبلغ (773) مليون جنيه ديوناً متعثرة على أسر صغيرة منتجة، بيد أن المراجع لم يوضح طبيعة بقية هذه المديونيات، وأين ذهبت، ولماذا لم تتم المحاسبة والمساءلة طوال هذه السنوات، حيث إن بعض هذه المديونيات مضى عليها أكثر من عشر سنوات.
الجدير بالذكر أن مؤسسة القضارف للتمويل الأصغر والتنمية الاجتماعية ظل يديرها منذ إنشائها متنفذون في حزب المؤتمر الوطني، إلا أنه بعد تعثرها أخيرا عيّن عليها الأستاذ (معتصم عبد الرحيم طه) وزير ومدير عام المالية في الولاية الأسبق، لكن المؤسسة ما زالت متعثرة.
وذكر تقرير المراجع أن مؤسسة التمويل الأصغر ظلت تحتفظ بمبلغ كبير في حسابها، في العام حوالى (2,8) مليار جنيه، منها (اثنان) مليار مساهمة بنك السودان المركزي في رأس مال المؤسسة، و(500) مليون جنيه مساهمة حكومة الولاية، وذلك بعد تحويلها من إدارة حكومية إلى مؤسسة ولائية لتوفيق أوضاعها، لكن ما زالت المؤسسة لم تؤد غرضها المطلوب بتمويل صغار المنتجين، والأسر المنتجة، ومحاربة الفقر، والعطالة في أوساط الشباب والمرأة وغيرها من قطاعات المجتمع، فهي في نظر الحكومة- حسب مواطنين تحدثوا للصحيفة- إدارة مهملة فقدت غرضها الأساس و”السياسي” بعد أن غادر رئاستها نائب رئيس المؤتمر الوطني في الولاية الأسبق “محمد أحمد الهادي” وخلفه في إدارتها مسؤول التنظيم بالحزب المعتمد السابق “أبو بكر دج” فتعثرت، وصعب عليها النهوض بمديونيات أرهقت كاهلها- حسب واقع الحال الآن.
استثمارات فاشلة..
يقول تقرير المراجعة الممهور بتوقيع (عبد النور دفع الله) مدير جهاز المراجعة القومي السابق في ولاية القضارف: إن استثمارات الولاية لم يطرأ عليها أي تغيير في العام (2013) عن العام السابق له، وقد ظلت عبارة: (الحسابات الختامية لم تظهر أية عائدات لاستثمارات حكومة القضارف) هي عبارة ثابتة، تدبج عند كل تقرير للمراجع العام في الولاية سنويا! ولسنوات مضت! كما إن المراجع العام ظل سنويا يطالب بتوفيق أوضاع تلك المؤسسات، وبتصفية هذه الشركات توافقا مع قرار رئيس الجمهورية بتصفية الشركات الحكومية، لكن لا توجد استجابة، فحكومة القضارف السابقة ظلت مشغولة بما يجري تحت أيديها!، ويشير تقرير المراجع العام في القضارف إلى أن شركة محالج الحوري لم تبدأ الإنتاج منذ النشأة والتكوين لضعف رأس المال، وقد بدأت إجراءات تصفيتها في العام (2010) لكن المراجعة لم تفاد حتى لحظة كتابة التقرير بنتائج التصفية!.
ولفت المراجع إلى أن مؤسسة القضارف للطباعة والوسائل التعليمية لم تحقق أرباحا قابلة للتوزيع، وشدد على ضرورة توفيق أوضاعها وفقا لقانون الهيئات والمؤسسات، ونبه التقرير إلى أن الحسابات الختامية للولاية لم تظهر أي عائد من استثمار وزارة المالية في شركة ميقات الزراعية، التي تقرر تصفيتها وفقا لقرار مجلس الوزراء الاتحادي.
بيع مسلخ القضارف..
تم بيع مسلخ القضارف بمبلغ (4) مليارات جنيه إلى شركة الإيمان الدولية لإنتاج اللحوم، لكن الشركة لم تفِ بالتزامها بسداد متبقي المبلغ وقدره (اثنان) مليار جنيه، وقد ورد ذلك في تقرير المراجع السابق لكن لم تتم معالجة الأمر، وأشار المراجع إلى أن الشركة سددت- لاحقا- قسطا بقيمة (650) مليون جنيه ليصبح إجمالي المديونية (1,35) مليار جنيه، ووجه المراجع بسداد الأقساط في موعدها، وتحديد موعد لبدء تشغيل المسلخ، وكان مسلخ القضارف قد تم تشييده بمليارات الجنيهات في عهد والي القضارف الأسبق “عبد الرحمن الخضر” لكن لم تتم الاستفادة منه!.
ممتلكات عامة عرضة للضياع..
تكشف للمراجعة أن مخازن هيئة مياه الولاية لم يتم جردها منذ فترة طويلة رغم أن فيها كميات كبيرة من المخزونات القيمة، من طلمبات، وأجهزة، ومواسير، وعدادات، وغيرها من المخزونات ذات القيمة العالية، كما إن الطريقة التي تحفظ بها هذه المخزونات حاليا- حسب المراجع _ غير صحيحة، حيث لم يسجل معظمها في كروت الصنف، ودفاتر العهدة، مما يعرض المال العام إلى الضياع والسرقة، والتلف والغموض وطمس المعالم.
تظهير شيكات وصرفها..
أشار تقرير المراجع العام في القضارف إلى أنه من خلال مراجعة حسابات هيئة مياه ولاية القضارف للأعوام (2007) حتى (2012) فإنه قد تكشف للمراجعة أن هنالك مبالغ غير مستحقة تم صرفها بموجب شيكات بأسماء بعض المقاولين والتجار عن طريق الموظفين، وذلك بتظهير تلك الشيكات وصرفها من البنك بدلا من تسليمها إلى الذين استخرجت بأسمائهم رغم كتابة أسمائهم في أورنيك (17) بالاستلام!.
ويشير المراجع إلى أن المسألة تكررت في محلية القلابات الشرقية حيث قام بعض الموظفين بتظهير شيكات من وحداتهم وتقديمها إلى البنك وصرف قيمتها بدلا من تسليمها إلى المستفيدين، ويعد هذا الإجراء مخالفاً لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية.
ويقول المراجع: إن هذه الظاهرة أدت إلى الاعتداء على المال العام في هيئة مياه الولاية، وأوصى المراجع بضرورة التقيد بتسليم الشيكات إلى أصحابها الذين استخرجت بأسمائهم والحصول على توقيعاتهم بالاستلام، وتوزيع العمل في الوحدات والمؤسسات بحيث لا يقوم به محاسب واحد.
مغير الأحوال من حال إلى حال..
شهد العام (2013) خلو الولاية من حالات التحصيل والصرف خارج الموازنة في جميع الوحدات الحكومية التي تمت مراجعتها، ويقول النائب البرلماني محمد الطيب البشير: “إنه لأول مرة يشير تقرير المراجع إلى أنه خلا من أية حالات تجنيب في الصرف والإيراد”، ويعزو مراقبون ذلك إلى الإجراءات والضوابط التي اتخذها وزير المالية الأسبق (معتصم هرون)، والتي حدت من التجنيب والصرف خارج الميزانية، ويلفت المراقبون في حديثهم إلى الصحيفة أن مساهمات الوزير هرون تتضح من خلال النمو والزيادة في الإيرادات العامة للولاية، التي قفزت نسبة مساهمتها في الموازنة العامة إلى حوالى (49%) من إجمالي موارد الموازنة، بيد أنه- حسب تقرير المراجع العام_ فإن حالات الاعتداء على المال العام قد ارتفعت من (صفر) في عهد والي القضارف الأسبق “كرم الله عباس” إلى (422) مليون جنيه في عهد سلفه الوالي السابق والي سنار “الضو الماحي”، كما ارتفع حجم المخالفات المالية إلى (24) مليار جنيه في العام (2013)، وذكر تقرير المراجع أن القضارف قد تلقت مبلغ (مليار) جنيه من رئاسة الجمهورية في عهد الوالي الأسبق “كرم الله” لخلو سجلها من أية حالات اعتداء على المال العام، وانحسار المخالفات المالية، لكن الحال تبدل فيما كشفته الأرقام في تقرير جهاز المراجعة القومي.

التيار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق