الأربعاء، 19 أغسطس 2015

السلام الناقص لجنوب السودان: مناورة سلفاكير ستنتهي بالتوقيع -


بعد مخاض عسير، جاء توقيع بعض أطراف دولة جنوب السودان على اتفاقية السلام التي اقترحتها "الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا" (إيغاد) لإنهاء الحرب الدائرة في الدولة الوليدة منذ نحو عامين، ناقصاً في أديس أبابا يوم الإثنين، إذ لم توقع عليه حكومة جوبا، على الرغم من التهديد والوعيد الذي ترافق مع موعد التوقيع. ووقّع على الاتفاقية كل من المعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار و"مجموعة المعتقلين العشرة" بزعامة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني المتحالفة مع الحكومة في جوبا والكنائس، إلى جانب الوسطاء الأفارقة والضامنين الغربيين. ورأى مراقبون في تلك الخطوة إحراجاً للحكومة في جوبا التي طلبت مهلة أسبوعين قبل التوقيع، بعدما بدا من عدم توقيعها يوم الإثنين، أن الرئيس سلفاكير ميارديت يقف في وضعية "معرقل للسلام". وزاد من إحراج جوبا وسلفاكير، التهديد العلني والصريح الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، أمس الثلاثاء، بسيف العقوبات في حال عدم الالتزام بمهلة الأسبوعين التي طلبها "وإلّا فستدرس واشنطن الإجراءات المقبلة للتصعيد والضغط على من يجهضون السلام"، على حد تعبير الناطق باسم الخارجية جون كيربي، الذي قد يكون أغاظ سلفاكير بإشادته بخطوة توقيع رياك مشار.
وشهد مقر المفاوضات خلال الأيام الثلاثة الماضية التي سبقت التوقيع، حركة دؤوبة قادها رؤساء دول الـ"إيغاد" الذين توافدوا إلى أديس ابابا منذ الجمعة الماضية في محاولة لإقناع الأطراف الجنوبية بالتوقيع على الاتفاقية قبل انتهاء المهلة المحددة يوم الإثنين الماضي.

وحاول سلفاكير المناورة إلى الحد الأقصى، الأمر الذي كاد يطيح بمفاوضات الساعات الأخيرة ليلاً، إذ رفض الرجل في بادئ الامر الانتقال لمقر المفاوضات في إثيوبيا والدخول في تفاوض مباشر مع رياك مشار، قبل أن يتراجع بعد ضغوط قوية ويصل العاصمة الإثيوبية وبجعبته رفض مسودة اتفاق أديس أبابا. وأبلغت مصادر "العربي الجديد" أن سلفاكير تحدث بلهجة حادّة خلال قمة رؤساء الـ"إيغاد" يوم الإثنين، ووجّه اتهامات مباشرة لعدد من الرؤساء فضلاً عن انتقادات لاذعة للاتفاقية، الأمر الذي قاد الرئيس الأوغندي يوري موسفيني للانسحاب من الاجتماع غاضباً، وتبعه الرئيس السوداني عمر البشير ليغادرا معاً مقر التفاوض إلى بلديهما.

وحمل الاتفاق الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، تعديلات طفيفه أدخلتها "مجموعة المعتقلين" تتصل بتوزيع نسب السلطة على مستوى الولايات، وهو ما كانت تتحفظ عليه جوبا، إذ اقترحت مسودة الـ"إيغاد" منح مجموعة رياك مشار 53 في المئة من السلطة في الولايات الثلاث التي يحتلها (أعالي النيل وأرواب والوحدة) بينما تحصل حكومة سلفاكير على 33 في المئة من المناصب، فيما جاء التعديل الجديد ليمنح الحكومة 46 في المئة من السلطة في تلك الولايات، والمعارضة 40 في المئة، فضلاً عن حاكمين، إلى جانب منح مشار 15 في المئة من السلطة في الولايات الاخرى. وأبقى الاتفاق الموقَّع، على بقية البنود كما هي بما فيها تلك التي تتحفظ على جوبا والخاصة بإعلان العاصمة منطقة منزوعة من السلاح، وقضية الإبقاء على جيشين.


ويرجح محلّلون أن يُقدم سلفاكير على التوقيع بالتاريخ المحدد (أسبوعان) لتجنب المواجهة مع المجتمع الدولي، لا سيما في ظل الضغوط التي تمارس عليه، فضلاً عن الضغط الشعبي والإحباط في الشارع الجنوبي، وما ينتظره في حال التعنت من عقوبات ونقل للملف إلى مجلس الأمن.

يقول المحلل السياسي الجنوبي أتيم بيونق لـ"العربي الجديد" إن اتفاق الأطراف أصحاب المصلحة على الاتفاقية يشكل ضغطاً هائلاً على الرئيس سلفاكير، ما يرجّح أن يقدم الرجل على التوقيع في النهاية، مستبعداً أن تقدم الـ"إيغاد" على تعديلات كبيرة في الاتفاق استجابة لتحفظات الرجل "وإنما ستكون طفيفة لا تؤثر على بنية الاتفاق".
بدوره، أوضح رئيس لجنة الترتيبات الأمنية عن جانب المعارضة حسين مارنوت، لـ"العربي الجديد"، أن فريقه وقع على الاتفاقية "رغم أن معظم بنودها أتت لصالح الحكومة، لكننا طلاب سلام وسنتحرك لتعبئة الجنوبيين في دول الجوار والمهجر". وبدا أحد "مجموعة المعتقلين العشرة" دينق ألور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، واثقاً من توقيع سلفاكير بنهاية المهلة.
ويخشى مراقبون أن يواجه الاتفاق الجديد مصير الاتفاقات الخمسة التي وقعت خلال العام ونصف العام الماضي، عمر المفاوضات الجارية في أديس ابابا. فشل متكرر متعدد الأسباب ويعود أساساً إلى القبلية المتجذرة في الدولة الوليدة التي يصعب معها تطبيق ما جاء في الاتفاقية في ما يتصل بالجيش القومي وديمقراطية الدولة فضلاً عن مقاومة الاتفاقية من قبل أمراء الحرب الأهلية.
لكن دينق ألور يرى أن الاتفاقية فيها ضمانات قوية أهمها الآلية الدائمة التي أقرتها الاتفاقية لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والمكونة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة برئاسة رئيس أفريقي سابق لتقيم في جوبا بصفة دائمة وتعمل على مراقبة الاتفاقية وتنفيذها.
في المقابل، يرى المحلل السياسي الطيب أحمد أن إمكانات تنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع متوفرة، "لكن هناك بنوداً قد تحدث ارتباكاً ويصعب أن تقبل بها الأطراف الجنوبية، بينها تحويل الجيش إلى قومي، وتبنّي النظام الديمقراطي في جوبا باعتبارها دولة قبلية، لذلك ترتفع احتمالات استمرار الحرب وتقسيم الدولة الوليدة" على حد تعبيره.
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق