الأربعاء، 19 أغسطس 2015

تفكيك إمبراطورية القمح والدقيق.. "ميثولوجيا" التحرير والمستعمر


يبدو أن الحكومة عازمة فعلاً – لا قولاً – على إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية، وذلك بعدما أعملت مشرط التطبيب في جسد الاقتصاد، وشرعت في إجراء جراحة قاسية – لكنها ضرورية – من أجل إنهاء لجوئها – المستمر - إلى المسكنات، طوال السنوات الماضية.
ولعل الحكومة وجدت ضالتها في وزير المالية بدر الدين محمود، الرجل الذي تحلى بالقدر الكافي من الجرأة والشجاعة، وقام باتخاذ جملة من القرارات التي كانت الحكومة تتهيب اتخاذها سابقاً، مثل رفع قيمة دولار استيراد الدقيق من 2,9 جنيه إلى أربعة جنيهات. والآن يمضي الرجل ناحية تحرير سلعتي القمح والدقيق.
في هذه المساحة نضع قارئ (الصيحة) أمام رؤى اقتصادية متباينة لتشريح وتحليل المشهد الاقتصادي.

إن دعم الحكومة للقمح بلغ العام الماضي 3 مليارات دولار ما يعني أن دعم الدولة للخبز والمواد البترولية يعادل 12% من حجم الموازنة العامة للدولة.
بدر الدين محمود
وزير المالية


إن فتح الباب أمام التجار والمستثمرين لاستيراد الدقيق بعطاءات يعزز من التنافسية وجودة الدقيق مع انخفاض أسعاره.

هدى محمد عبدالله
وكيل توزيع دقيق مستورد بالخرطوم


ينبغي على وزارة المالية توفير الآليات المطلوبة لضمان انسياب حصص القمح والدقيق المقررة والكافية لحاجة المواطن.

البروفسور أحمد المجذوب
رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان

تفكيك إمبراطورية القمح والدقيق..
إغلاق الباب إمام السماسرة و"تجار النص"
الخرطوم: عاصم إسماعيل
قرار الحكومة بفك احتكار القمح والدقيق وجد تجاوباً منقطع النظير من غالبية الاقتصاديين الذين يرون أنه تأخر كثيرًا وذلك لإيجابيته من ناحية توفير السلعة خاصة وأن وزارة المالية أبقت على الدعم والسعر في ظل انخفاض أسعار الحبوب عالمياً، إلا أن هذا القرار أيضًا لم يجد تجاوباً أو آذاناً صاغية من بعض المستفيدين من احتكار السلعة لجهات بعينها بدليل عدم تجاوب بعض السماسرة وتجار النص كما سماهم بعض الخبراء مع القرار او حتى الرد على بعض المكالمات التي تستفسر عن وجهة نظر أصحاب المطاحن.
خطوة شجاعة
على الرغم من أن القرار أصبح نافذًا بحلول يوم أمس، إلا أن البعض يتحجج بعدم الاطلاع عليه أو لم يصل منشور من وزارة المالية حتى يتم الجزم بإلزاميته، ومع ذلك يقول الخبراء وأصحاب بعض المطاحن الصغيرة ومسؤولي اتحاد المخابز إن القرار جيد ويعتبر خطوة جريئة. وبجانب ذلك فإن القرار وجد العدم والتأييد من قبل رئيس الجمهورية أثناء لقائه وزير المالية في شأن التحصيل الإلكتروني خاصة وأن قرار رسم جمارك السلعة إلى أربعة جنيهات للدولار لم تتم مناقشته مع أصحاب المطاحن الذين قال بعضهم إن المنشور سُلم لهم دون الجلوس معهم.
أم المفاجآت
مصادر وثيقة الصلة بملف القمح والدقيق، أشارت إلى أن أصحاب المطاحن في لقائهم بوزير المالية أمس الأول انتخبوا من يرون أنهم أهلاً ليتحدثوا بالإنابة عنهم فيما يعانون جراء القرار الأخير "زيادة سعر الدولار"، فاستمع الوزير لكل الملابسات وقال - برغم جاهزية القرار - إذا كان هذا السعر غير مناسب لكم فلنر كيف يمكن توفير السلعة من بقية المطاحن وبنفس السعر "فسكت الجميع" في انتظار المجهول "غير متوقع"، حاول البعض جهدهم إثناء الوزير عن هذه الخطوة، إلا ان الوزير بكل ثقة ولأنه مدعوم من رئاسة الجمهورية في حربها على الإمبراطوريات المالية والتكتلات الاقتصادية والجهويات قرر أن يلقي عليهم نبأ يسعد الملايين ويغضب الفئة القليلة، فاختار الوزير الانحياز "للشعب" متوكلاً على الله أولاً وعلى رئاسة الجمهورية التي لم ولن تخذله أبداً فقال قولته الشهيرة: الآن حصحص الحق.
يقول الراوي لم يشأ الوزير إن يلقى بكل ما يريد بل بالتدرج وكأنما يريد أن يكتشف ردة الفعل إلا أنه وبعد استمرار الاجتماع لأكثر من ساعة اقترب زمن الصلاة ونادى المنادي وقال الوزير الوقت يداهمنا هل من مزيد فقال قائل: هذا كل ما لدينا فقال الوزير قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
ولنا عودة
ولكن قبل أن يهم الجميع بالخروج، لاحظ وزير الصناعة تعثر الوزير في قيامه "بمعنى لن يستطيع أحد المغادرة قبل الوزير"، فقال قولته الدواية الآن رفعنا عنكم العبء وفتحنا باب استيراد الدقيق والقمح لبقية المطاحن وبنفس السعر ولنا عودة. وخرج الوزير إلى المسجد لأداء صلاة الظهر وانتهى كل شيء الآمال والطموحات وهدت الإمبراطوريات وأغلقت الهواتف وتحدثت الأنفس فمنهم من غادر إلى غير رجعة ومنهم من ألجمته كلمات الوزير فقال أحدهم (جئنا نتحدث عن الدولار ورجعنا بلا دولار).
خبر اليوم
سرت الأنباء سريعاً "خبر ولا كل الأخبار"، تداعت الصحف بمانشيتات "فك احتكار سلعتي القمح والدقيق وفتح باب الاستيراد"، متابعة الصحف في اليوم الثاني حمدت للوزير جرأته في القرار الذي يقول الخبراء إنه تأخر كثيراً فشلت كل المحاولات في استنطاق (الثلاثة)، إلا أن الحديث كان للمواطن فقط، فيما يلي: رئيس القطاع الاقتصادى بالمؤتمر الوطني الماحي خلف الله، قال: هذه سياسة موفقة، والقرار يوفر أموالاً يؤدي إلى خفض تكلفة القمح والدقيق خاصة وأنه مرتبط بزيادة سعر الدولار لاستيراد القمح والدقيق وأن الشركات التي "كانت" تحتكر تقوم بتحويل جزء من السلعتين لصناعات أخرى "شعيرية - معكرونة" وغيرها، والاستفادة من الردة بتصديرها للخارج.
يؤدي لانخفاض الأسعار
وعلى الرغم من أن اتحاد المخابز طرح من قبل رؤية عن الدقيق المخلوط، إلا أن الأمين العام لاتحاد المخابز عادل ميرغني "وهو أيضاً وكيل لأحد المطاحن"، يقول إن سياسة فك احتكار سلعتي القمح والدقيق يؤدي إلى انخفاض أسعار الدقيق وتوفير الخبز ولا تؤثر على أسعار العملات الحرة بل تزيد الإنتاج المحلي من القمح ودعا إلى تنفيذ الخطة التي وضعتها الدولة للتوسع في زراعة القمح خاصة بولايتي الشمالية ونهر النيل للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي حيث إن إنتاج القمح من الموسم الماضي والبالغ 600 ألف طن غطى 30% من الاحتياج الفعلي.
ضد هيمنة الكبار
أما رئيس الغرفة التجارية بأم درمان عبد الله عبد الباسط علي فيرى أن قرارات وزير المالية تأتي في إطار التقليل من هيمنة المطاحن الثلاث على صناعة الدقيق في السودان ومساواتها مع بقية المطاحن الصغيرة والكبيرة بسعر صرف موحد من الدولة وحصرت الاستيراد على الدولة نفسها ممثلة في المخزون الاستراتيجي للتحكم في نسبة الدعم المتحرك مع الأسعار العالمية للقمح لتستفيد منه الدولة بدلاً من المطاحن الثلاث، وقال: نأمل أن تكون العطاءات عبر المخزون الاستراتيجي عطاءات واضحة بشفافية للمصلحة العامة وأبدى استعداده لاستيراد دقيق يغطي الفجوة وبأسعار مخفضة بسعر جوال الدقيق 95 جنيهاً بمواصفات عالمية عن طريق الدفع بالعملة الحرة أو المقايضة بالمحاصيل الزراعية وفق رغبة الوزارة.
قرار متأخر
ولكن أحد خبراء المطاحن - فضل حجب اسمه - يقول إن قرارات المالية تأخرت كثيرًا وهي تخلق استقراراً في سلعة الدقيق مؤكداً ضرورة المخزون الاستراتيجي في الوقت الراهن بهدف توفير جميع أنواع الحبوب، كما أن الأسعار العالمية قابلة للعرض والطلب وتتغير كل فترة تتوقف على الإنتاج والمخزون العالمي، وقال: الأفضل الاستمرار في استيراد القمح لأن به ردة يمكن الاستفادة منها.
الصيحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق